التاسع : إذا  وقع في روايته لحن ، أو تحريف   ، فقد اختلفوا ، فمنهم من كان يرى أنه يرويه على الخطأ كما سمعه ، وذهب إلى ذلك من التابعين   محمد بن سيرين  ،   وأبو معمر عبد الله بن سخبرة     .  وهذا غلو في مذهب اتباع اللفظ ، والمنع من الرواية بالمعني .   
ومنهم من رأى تغييره ، وإصلاحه ، وروايته على الصواب ، روينا ذلك عن  الأوزاعي  ،  وابن المبارك  ، وغيرهما ، وهو مذهب المحصلين والعلماء من المحدثين .  والقول به في اللحن الذي لا يختلف به المعنى      [ ص: 219 ] وأمثاله لازم على مذهب تجويز رواية الحديث بالمعنى ، وقد سبق أنه قول الأكثرين .   
وأما إصلاح ذلك وتغييره في كتابه وأصله ، فالصواب تركه ، وتقرير ما وقع في الأصل على ما هو عليه ، مع التضبيب عليه ، وبيان الصواب خارجا في الحاشية ، فإن ذلك أجمع للمصلحة وأنفى للمفسدة .   
وقد روينا أن بعض أصحاب الحديث رئي في المنام ، وكأنه قد مر من شفته ، أو لسانه شيء ، فقيل له في ذلك ، فقال : " لفظة من حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غيرتها برأيي ، ففعل بي هذا " .   
وكثيرا ما نرى ما يتوهمه كثير من أهل العلم خطأ - وربما غيروه - صوابا ذا وجه صحيح ، وإن خفي ، واستغرب لا سيما فيما يعدونه خطأ من جهة العربية ، وذلك لكثرة لغات العرب وتشعبها .   
وروينا عن   عبد الله بن أحمد بن حنبل  قال : " كان إذا مر بأبي لحن فاحش غيره ، وإذا كان لحنا سهلا تركه ، وقال : كذا قال الشيخ " .   
وأخبرني بعض أشياخنا : عمن أخبره عن   القاضي الحافظ عياض  بما معناه ، واختصاره : " أن الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ أن ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم ، ولا يغيروها في كتبهم حتى في أحرف      [ ص: 220 ] من القرآن ، استمرت الرواية فيها في الكتب على خلاف التلاوة المجمع عليها ، ومن غير أن يجيء ذلك في الشواذ .  ومن ذلك ما وقع في " الصحيحين " ، و " الموطأ " ، وغيرها ، لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند السماع ، والقراءة ، وفي حواشي الكتب ، مع تقريرهم ما في الأصول على ما بلغهم .   
ومنهم من جسر على تغيير الكتب ، وإصلاحها ، منهم   أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي  ، فإنه - لكثرة مطالعته وافتتانه ، وثقوب فهمه ، وحدة ذهنه - جسر على الإصلاح كثيرا ، وغلط في أشياء من ذلك ، وكذلك غيره ممن سلك مسلكه .   
فالأولى سد باب التغيير ، والإصلاح ، لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن ، وهو أسلم مع التبيين ، فيذكر ذلك عند السماع كما وقع ، ثم يذكر وجه صوابه إما من جهة العربية ، وإما من جهة الرواية ، وإن شاء قرأه ، أولا على الصواب ، ثم قال : " وقع عند شيخنا ، أو في روايتنا ، أو من طريق فلان كذا وكذا "  .  وهذا أولى من الأول ، كيلا يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل .   
وأصلح ما يعتمد عليه في الإصلاح أن يكون ما يصلح به الفاسد قد ورد في أحاديث أخر ، فإن ذاكره آمن من أن يكون متقولا      [ ص: 221 ] على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، والله أعلم .   
				
						
						
