مسألة : قال
الشافعي : " وقال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5والذين هم لفروجهم حافظون [ المؤمنون : 5 ] الآية ، وفي ذلك دليل أن الله تبارك وتعالى الإبنان فعلي من تجب النفقة والإعفاف للأب أراد الأحرار : لأن العبيد لا يملكون ، وقال عليه السلام
nindex.php?page=hadith&LINKID=923094من باع عبدا وله مال ، فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فدل الكتاب والسنة أن العبد لا يملك مالا بحال ، وإنما يضاف إليه ماله ، كما يضاف إلى الفرس سرجه ، وإلى الراعي غنمه ( فإن قيل ) فقد روي عن
ابن عمر - رضي الله عنه - : أن العبد يتسرى ( قيل ) وقد روي خلافه ، قال
ابن عمر - رضي الله عنهما - : لا يطأ الرجل إلا وليدة : إن شاء باعها ، وإن شاء وهبها ، وإن شاء صنع بها ما شاء " .
[ ص: 187 ] قال
الماوردي : إنما أراد
الشافعي بهذا
nindex.php?page=treesubj&link=24139هل للعبد أن يسرى وهو مبني على أن العبد هل يملك إذا ملك أم لا ؟ فلا يختلف الفقهاء أنه ما لم يملكه السيد لم يملك ، ويكون جميع ما يكتسبه من صيد أو إحشاش أو بصنعة أو عمل ملكا لسيده دونه ، وإن ملكه السيد فهل يملك أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : وهو قوله في القديم إنه يملك إذا ملك .
وبه قال
مالك وداود ، ثم اختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=27889حكم ملكه ، على هذا القول ، فعلى مذهب
الشافعي يكون ملكا ضعيفا ، لا يتحكم فيه إلا بإذن السيد وللسيد استرجاعه .
وقال مالك : هو ملك قوي يتحكم فيه كيف شاء ، لكن للسيد استرجاعه .
والقول الثاني - قاله
الشافعي في الجديد - : أنه لا يملك إذا ملك .
وبه قال
أبو حنيفة ، وقد مضى توجيه القولين في كتاب " البيوع " .
فإذا تقرر القولان ،
nindex.php?page=treesubj&link=24139وأراد العبد أن يتسرى بأمة ، فإن لم يملكه السيد إياها لم يكن له أن يطأها ، وإن أذن له السيد فيه : لأنه لا يحل لأحد أن يستبيح إلا وطء زوجة ، أو ملك يمين ، وليست هذه الأمة المأذون للعبد في وطئها زوجة له ، ولا ملك يمين ، فلم يحل له وطئها لمجرد الإذن ، كما لا يحل لغيره من الناس أن يطأها بإذن السيد ، وإن ملكه السيد إياها ، فعلى قوله في القديم يصير مالكا لها ، وليس له أن يطأها متسريا لها ما لم يأذن له السيد في وطئها ، وإن صار مالكا لها : لأنه ملك ضعيف ، فإن أذن له في وطئها جاز له حينئذ التسري بها ما لم يرجع السيد في ملكه أو إذنه .
وروي عن
ابن عباس أنه أجاز
لعكرمة أن يتسرى بها بجارية أعطاه إياها وروي عن
ابن عمر أن العبد يتسرى ، وإن رجع السيد في ملكه حرم على السيد أن يتسرى بها لزوال السبب الذي استباح به التسري ، فلو كان
nindex.php?page=treesubj&link=24139العبد قد أولدها صارت أم ولد له وحرم عليه بيعها ، فإن رجع السيد عليه بها جاز للسيد بيعها : لأنها صارت أم ولد في حق العبد لا في حق السيد . هذا كله حكم قوله في القديم .
فأما على قوله في الجديد ، فلا يملكها العبد ، وإن ملكه السيد ، ولا يجوز له أن يتسرى بها وإن أذن له السيد ، والمروي عن
ابن عباس : أنه أجاز
لعكرمة أن يتسرى بجارية أعطاه إياها ، فالمروي خلافه ، وهو أنه كان قد زوجه بها ثم طلقها
عكرمة بغير إذنه ، وكان
ابن عباس رد طلاقا لا يقع بغير إذن سيده ، فأمره بالمقام عليها ، فكره
عكرمة ذاك ، فأباحه أن يتسرى بها تطيبا لنفسه ومعتقدا أن الإباحة لعقد النكاح .
وأما
ابن عمر فقد روي عنه خلاف ما ذكر ، قال
ابن عمر : لا يطأ الرجل إلا وليدة ، إن شاء باعها ، وإن شاء وهبها ، وإن شاء صنع بها ما شاء . يريد بذلك الأحرار دون العبيد لكن إن وطئها العبد على هذا القول ، فلا حد عليه لمكان الشبهة .
[ ص: 188 ]
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [ الْمُؤْمِنُونَ : 5 ] الْآيَةَ ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الإبنان فعلي من تجب النفقة والإعفاف للأب أَرَادَ الْأَحْرَارَ : لِأَنَّ الْعَبِيدَ لَا يَمْلِكُونَ ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=923094مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ مَالًا بِحَالٍ ، وَإِنَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ مَالُهُ ، كَمَا يُضَافُ إِلَى الْفَرَسِ سَرْجُهُ ، وَإِلَى الرَّاعِي غَنَمُهُ ( فَإِنْ قِيلَ ) فَقَدْ رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : أَنَّ الْعَبْدَ يَتَسَرَّى ( قِيلَ ) وَقَدْ رُوِيَ خِلَافُهُ ، قَالَ
ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - : لَا يَطَأُ الرَّجُلُ إِلَّا وَلِيدَةً : إِنْ شَاءَ بَاعَهَا ، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا ، وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ " .
[ ص: 187 ] قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : إِنَّمَا أَرَادَ
الشَّافِعِيُّ بِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=24139هَلْ لِلْعَبْدِ أَنْ يُسَرَّى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ هَلْ يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ أَمْ لَا ؟ فَلَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ السَّيِّدُ لَمْ يَمْلِكْ ، وَيَكُونُ جَمِيعُ مَا يَكْتَسِبُهُ مِنْ صَيْدٍ أَوْ إِحْشَاشٍ أَوْ بِصَنْعَةٍ أَوْ عَمَلٍ مِلْكًا لِسَيِّدِهِ دُونَهُ ، وَإِنْ مَلَكَهُ السَّيِّدُ فَهَلْ يَمْلِكُ أَمْ لَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ إِنَّهُ يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ .
وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ وَدَاوُدُ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=27889حُكْمِ مِلْكِهِ ، عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَعَلَى مَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ يَكُونُ مِلْكًا ضَعِيفًا ، لَا يَتَحَكَّمُ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَلِلسَّيِّدِ اسْتِرْجَاعُهُ .
وَقَالَ مَالِكٌ : هُوَ مِلْكٌ قَوِيٌّ يَتَحَكَّمُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ ، لَكِنْ لِلسَّيِّدِ اسْتِرْجَاعُهُ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي - قَالَهُ
الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ - : أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ .
وَبِهِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَدْ مَضَى تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي كِتَابِ " الْبُيُوعِ " .
فَإِذَا تَقَرَّرَ الْقَوْلَانِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=24139وَأَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَتَسَرَّى بِأَمَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يُمَلِّكْهُ السَّيِّدُ إِيَّاهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِيهِ : لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنَّ يَسْتَبِيحَ إِلَّا وَطْءَ زَوْجَةٍ ، أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لِلْعَبْدِ فِي وَطْئِهَا زَوْجَةً لَهُ ، وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ ، فَلَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطِئُهَا لِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ ، كَمَا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَطَأَهَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ ، وَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ إِيَّاهَا ، فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ يَصِيرُ مَالِكًا لَهَا ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا مُتَسَرِّيًا لَهَا مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ فِي وَطْئِهَا ، وَإِنْ صَارَ مَالِكًا لَهَا : لِأَنَّهُ مِلْكٌ ضَعِيفٌ ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي وَطْئِهَا جَازَ لَهُ حِينَئِذٍ التَّسَرِّي بِهَا مَا لَمْ يَرْجِعِ السَّيِّدُ فِي مِلْكِهِ أَوْ إِذْنِهِ .
وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَجَازَ
لِعِكْرِمَةَ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا بِجَارِيَةٍ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَسَرَّى ، وَإِنْ رَجَعَ السَّيِّدُ فِي مِلْكِهِ حَرُمَ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا لِزَوَالِ السَّبَبِ الَّذِي اسْتَبَاحَ بِهِ التَّسَرِّيَ ، فَلَوْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=24139الْعَبْدُ قَدْ أَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ بَيْعُهَا ، فَإِنْ رَجَعَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِهَا جَازَ لِلسَّيِّدِ بِيعُهَا : لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لَا فِي حَقِّ السَّيِّدِ . هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ .
فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ ، فَلَا يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ ، وَإِنْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ ، وَالْمَرْوِيُّ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ أَجَازَ
لِعِكْرِمَةَ أَنْ يَتَسَرَّى بِجَارِيَةٍ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا ، فَالْمَرْوِيُّ خِلَافُهُ ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ زَوَّجَهُ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا
عِكْرِمَةُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، وَكَانَ
ابْنُ عَبَّاسٍ رَدَّ طَلَاقًا لَا يَقَعُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ ، فَأَمَرَهُ بِالْمُقَامِ عَلَيْهَا ، فَكِرَهَ
عِكْرِمَةُ ذَاكَ ، فَأَبَاحَهُ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا تَطَيُّبًا لِنَفْسِهِ وَمُعْتَقِدًا أَنَّ الْإِبَاحَةَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ .
وَأَمَّا
ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ مَا ذُكِرَ ، قَالَ
ابْنُ عُمَرَ : لَا يَطَأُ الرَّجُلُ إِلَّا وَلِيدَةً ، إِنْ شَاءَ بَاعَهَا ، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا ، وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ . يُرِيدُ بِذَلِكَ الْأَحْرَارَ دُونَ الْعَبِيدِ لَكِنْ إِنْ وَطِئَهَا الْعَبْدُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ .
[ ص: 188 ]