فصل : [ القول فيما يكون به الإعفاف ]
وأما الفصل الثالث فهو ما خص الفرج من استمتاع بحرة يزوجه بها ، أو تسري بأمة يملكه إياها والخيار فيه بين التزويج والتسري إلى الابن دون الأب ، فإن [ ص: 186 ] فيما يكون به الإعفاف لم يجز : لأن الأب رشيد لا يولى عليه ، ولكن يتزوج الأب ، ويلتزم الابن صداق الزوجة ثم نفقتها وكسوتها ، وليس للأب أن يغالي في صداق زوجته ، وفيما يستحقه من ذلك وجهان : أراد الابن أن يزوجه بنفسه
أحدهما : أقل صداق من تكافئه من النساء اعتبارا بحاله .
والوجه الثاني : من يستمتع بها من جميع النساء اعتبارا بحاجته ، وليس على الابن أن يحمله على تزويج من لا متعة فيها من الأطفال ، وعجائز النساء ، وذوات العيوب التي يفسخ بها النكاح ومن تشوه خلقها : لنفور النفس عنها ، وتعذر الاستمتاع بهن ، لكن لا فرق بين المسلمة والذمية ، فأما الأمة فلا يجوز أن يزوجه بها : لأن الأمة لا يتزوجها إلا من عدم الطول وهو بالابن واجد للطول ، فهذا حكم إعفافه بالتزويج .
فأما : فالابن بالخيار بين أن يهب له أمة من إمائه على الوصف الذي ذكرنا ببذل وقبول وإقباض ، لينتقل بصحة الهبة بالبذل والقبول واستقرارها بالقبض في ملك الابن إلى ملك الأب وبين أن يأذن له في ابتياع أمة يدفع عنه ثمنها ، فإن ابتاعها الابن له ، نظر : فإن كان بإذنه صح الشراء له ، وجاز له الاستمتاع بها : لاستقرار حكمه فيها ، وإن كان بغير إذنه فالشراء للابن دون الأب : لأن الشراء للرشيد بغير إذنه لا يصح ، فإن استأنف الابن هبتها له على ما ذكرنا ، صارت ملكا له بالهبة دون الشراء ، وجاز له الاستمتاع بها ثم على الابن التزام نفقتها وكسوتها كالحرة ، فلو إعفافه بملك اليمين لم يجز للأب وطئها : لأن الأمة لا يجوز وطئها إلا بملك يمين أو عقد نكاح ، والأب لم يملكها بهذا الإذن ، ولا يصح أن يتزوجها لوجود الطول ، فلو أذن الابن لأبيه في وطء أمة له لم يهبها له لم يلزم الابن أن يزوجه ويسر به ثانية بعد طلاقه : لأن الأب قد استهلك بنفسه ما استحقه من ذلك ، فلو ألزم الابن مثله لفعل الأب مثله فأدى إلى ما لا نهاية له ، ولكن لو زوجه الابن أو سراه فأعتق الأب أو طلق : ماتت الزوجة أو الأمة حتف أنفها ، ففي وجوب إعفافه على الابن ثانية وجهان
أحدهما : يجب عليه : لبقاء السبب الموجب له ، وأنه غير منسوب إلى تفويت حقه منه .
والوجه الثاني : أنه لا يجب عليه غير الأولى : لأنه عقد يوضع للتأبيد في الأغلب ، والله أعلم .