فرع
تقدم أن يقتضي سجود السهو . فإذا نهض من الركعة الثانية ناسيا للتشهد ، أو جلس ، ولم يقرأ التشهد ، ونهض ناسيا ، ثم تذكر ، فتارة يتذكر بعد الانتصاب قائما ، وتارة قبله . فإن كان بعده ، لم تجز العودة إلى القعود على الصحيح المعروف . وفي وجه : يجوز العود ما لم يشرع في القراءة . والأولى : أن لا يعود . وهذا الوجه : شاذ منكر . فعلى الصحيح : إن عاد متعمدا عالما بتحريمه ، بطلت صلاته . وإن عاد ناسيا ، لم تبطل ، وعليه أن يقوم [ ص: 304 ] عند تذكره ويسجد للسهو . وإن عاد جاهلا بتحريمه ، فالأصح : أنه كالناسي . والثاني : كالعامد . هذا حكم المنفرد . والإمام في معناه ، فلا يرجع بعد الانتصاب . فوات التشهد الأول . فإن فعل بطلت صلاته . فإن نوى مفارقته ليتشهد ، جاز وكان مفارقا بعذر . ولو انتصب مع الإمام ، فعاد الإمام ، لم يجز للمأموم العود ، بل ينوي مفارقته . وهل يجوز أن ينتظره قائما حملا على أنه عاد ناسيا ؟ وجهان سبق مثلهما في التنحنح . ولا يجوز للمأموم أن يتخلف للتشهد
قلت : فإن عاد المأموم مع الإمام ، عالما بالتحريم ، بطلت صلاته . وإن عاد ناسيا ، أو جاهلا ، لم تبطل . ولو قعد المأموم ، فانتصب الإمام ثم عاد ، لزم المأموم القيام ، لأنه توجه عليه بانتصاب الإمام . والله أعلم .
ولو قعد الإمام للتشهد الأول ، وقام المأموم ناسيا ، أو نهضا ، فتذكر الإمام ، فعاد قبل الانتصاب وانتصب المأموم ، فثلاثة أوجه أصحها : يجب على المأموم العود إلى التشهد لمتابعة الإمام . فإن لم يعد ، بطلت صلاته ، صححه ، ومتابعوه ، وقطع به صاحب ( التهذيب ) . والثاني : يحرم العود . والثالث : يجوز ، ولا يجب . ولو قام المأموم قاصدا ، فقد قطع الشيخ أبو حامد : بأنه يحرم العود . كما لو ركع قبل الإمام ، أو رفع رأسه قبله عمدا ، يحرم العود . فإن عاد ، بطلت صلاته ، لأنه زاد ركنا عمدا . فلو فعل ذلك سهوا ، بأن سمع صوتا ، فظن أن الإمام ركع ، فركع ، فبان أنه لم يركع ، فقال إمام الحرمين : في جواز الركوع وجهان . وقال صاحب ( التهذيب ) وآخرون : في وجوب الرجوع وجهان . أحدهما : يجب . فإن لم يرجع ، بطلت صلاته . والأصح : أنه لا يجب ، بل يتخير بين الرجوع وعدمه . وللنزاع في صورة قصد القيام ، مجال ظاهر ، لأن أصحابنا العراقيين أطبقوا على أنه لو ركع قبل الإمام عمدا ، استحب له أن يرجع إلى القيام ليركع مع الإمام ، فجعلوه مستحبا . إمام الحرمين
[ ص: 305 ] الحال الثاني : أن يتذكر قبل الانتصاب . فقال ، والأصحاب رحمهم الله : يرجع إلى التشهد . والمراد بالانتصاب ، الاعتدال والاستواء ، هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور . وفي وجه : المراد به : أن يصير إلى حال هي أرفع من حد أقل الركوع . ثم إذا عاد قبل الانتصاب ، هل يسجد للسهو ؟ قولان . أظهرهما : لا يسجد . وقال كثير من الأصحاب ، منهم القفال : إن صار إلى القيام أقرب منه إلى القعود ، ثم عاد ، سجد . وإن كان إلى القعود أقرب ، أو كانت نسبته إليهما على السواء ، لم يسجد ، لأنه إذا صار إلى القيام أقرب فقد أتى بفعل يغير نظم الصلاة ، ( و ) لو تعمده في غير موضعه ، أبطل الصلاة . وقال الشافعي الشيخ أبو محمد ، وآخرون : إن عاد قبل أن ينتهي إلى حد الراكعين لم يسجد . وإن عاد بعد الانتهاء إليه سجد . والمراد أكمله لا أقله . بل لو قرب في ارتفاعه من حد أكمل الركوع ، ولم يبلغه ، فهو في حد الراكعين ، صرح به في ( النهاية ) . وهذه العبارة ، مع عبارة القفال ورفقته متقاربتان ، والأولى أوفى بالغرض ، وهي أظهر من إطلاق القولين ، وبها قطع في ( التهذيب ) وهي كالتوسط بين القولين ، وحملهما على الحالين . ثم جميع ما ذكرناه في الحالتين هو فيما إذا ترك التشهد الأول ، ونهض ناسيا . فأما إذا تعمد ذلك ، ثم عاد قبل الانتصاب والاعتدال ، فإن عاد بعد ما صار إلى القيام أقرب بطلت صلاته . وإن عاد قبله لم تبطل . ولو كان يصلي قاعدا ، فافتتح القراءة بعد الركعتين ، فإن كان على ظن أنه فرغ من التشهد ، وجاء وقت الثالثة ، لم يعد بعد ذلك إلى قراءة التشهد على الأصح . وإن سبق لسانه إلى القراءة وهو عالم بأنه لم يتشهد ، فله العود إلى قراءة التشهد . وترك القنوت يقاس بما ذكرناه في التشهد ، فإذا نسيه ، ثم تذكر بعد وضع الجبهة على الأرض ، لم يجز العود . وإن كان قبله ، فله العود . ثم إن عاد بعد بلوغه حد الراكعين ، سجد للسهو . وإن كان قبله ، فلا . بحد الركوع