[ ص: 26 ] المسألة الثالثة
، وذلك أن كل تكملة يفضي اعتبارها إلى رفض أصلها; فلا يصح اشتراطها عند ذلك; لوجهين : كل تكملة فلها - من حيث هي تكملة - شرط ، وهو أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال
أحدهما : أن في إبطال الأصل إبطال التكملة; لأن التكملة مع ما كملته كالصفة مع الموصوف ، فإذا كان اعتبار الصفة يؤدي إلى ارتفاع الموصوف; لزم من ذلك ارتفاع الصفة أيضا ، فاعتبار هذه التكملة على هذا الوجه مؤد إلى عدم اعتبارها ، وهذا محال لا يتصور ، وإذا لم يتصور ، لم تعتبر التكملة واعتبر الأصل من غير مزيد .
والثاني : أنا لو قدرنا تقديرا أن المصلحة التكميلية تحصل مع فوات المصلحة الأصلية لكان حصول الأصلية أولى لما بينهما من التفاوت .
وبيان ذلك أن حفظ المهجة مهم كلي ، وحفظ المروءات مستحسن ، فحرمت النجاسات حفظا للمروءات وإجراء لأهلها على محاسن العادات فإن ; كان تناوله أولى . دعت الضرورة إلى إحياء المهجة بتناول النجس
وكذلك أصل البيع ضروري ، ومنع الغرر والجهالة مكمل ، فلو اشترط نفي الغرر جملة لانحسم باب البيع ، وكذلك الإجارة ضرورية أو حاجية ، [ ص: 27 ] واشتراط حضور العوضين في المعاوضات من باب التكميلات ، ولما كان ذلك ممكنا في بيع الأعيان من غير عسر; منع من بيع المعدوم إلا في السلم ، وذلك في الإجارات ممتنع فاشتراط وجود المنافع فيها وحضورها يسد باب المعاملة بها ، والإجارة محتاج إليها; فجازت وإن لم يحضر العوض أو لم يوجد ومثله جار في الاطلاع على العورات للمباضعة والمداواة وغيرهما .
وكذلك قال العلماء بجوازه ، قال الجهاد مع ولاة الجور مالك : لو ترك ذلك لكان ضررا على المسلمين ، فالجهاد ضروري ، والوالي فيه ضروري ، والعدالة فيه مكملة للضرورة ، والمكمل إذا عاد للأصل بالإبطال لم يعتبر ، ولذلك جاء الأمر بالجهاد مع ولاة الجور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 28 ] اوكذلك ما جاء من الأمر ; فإن في ترك ذلك [ ص: 29 ] ترك سنة الجماعة ، والجماعة من شعائر الدين المطلوبة ، والعدالة مكملة لذلك المطلوب ، ولا يبطل الأصل بالتكملة . بالصلاة خلف الولاة السوء
ومنه إتمام الأركان في الصلاة مكمل لضروراتها ، فإذا أدى طلبه إلى أن لا تصلى - كالمريض غير القادر - سقط المكمل ، أو كان في إتمامها حرج ارتفع الحرج عمن لم يكمل ، وصلى على حسب ما أوسعته الرخصة ، وستر العورة من باب محاسن الصلاة ، فلو طلب على الإطلاق; لتعذر أداؤها على من [ ص: 30 ] لم يجد ساترا إلى أشياء من هذا القبيل في الشريعة تفوق الحصر ، كلها جار على هذا الأسلوب .
وانظر فيما قاله في الكتاب المستظهري في الإمام الذي لم يستجمع شروط الإمامة ، واحمل عليه نظائره . الغزالي