[ ص: 176 ] المسألة الثالثة
إن ثبت بالدليل أن ثم أوصافا تماثل ما تقدم في كونها مطبوعا عليها الإنسان ; فحكمها حكمها لأن الأوصاف المطبوع عليها ضربان :
منها : ما يكون ذلك فيه مشاهدا محسوسا كالذي تقدم .
ومنها : ما يكون خفيا حتى يثبت بالبرهان فيه ذلك ، ومثاله ، فإن ظاهر القرآن أنها مما طبع الإنسان عليه; لقوله تعالى : العجلة خلق الإنسان من عجل [ الأنبياء : 37 ] .
وفي الصحيح : آدم أجوف علم أنه خلق خلقا لا يتمالك . إن إبليس لما رأى
وقد جاء أن : " الشجاعة والجبن غرائز " .
و " جبلت القلوب على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها " .
[ ص: 177 ] إلى أشياء من هذا القبيل ، وقد جعل منها الغضب وهو معدود عند الزهاد من المهلكات .
وجاء : " " . يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب
[ ص: 178 ] وإذا ثبت هذا; فالذي تعلق به الطلب ظاهرا من الإنسان على ثلاثة أقسام :
أحدها : ما لم يكن داخلا تحت كسبه قطعا ، وهذا قليل; كقوله : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون [ البقرة : 132 ] ، وحكمه أن الطلب به مصروف إلى ما تعلق به .
والثاني : ما كان داخلا تحت كسبه قطعا ، وذلك جمهور الأفعال المكلف بها التي هي داخلة تحت كسبه ، والطلب المتعلق بها على حقيقته في صحة التكليف بها سواء علينا أكانت مطلوبة لنفسها أم لغيرها .
والثالث : ما قد يشتبه أمره; كالحب والبغض وما في معناهما; فحق الناظر فيها أن ينظر في حقائقها ، فحيث ثبتت له من القسمين حكم عليه بحكمه ، والذي يظهر من أمر الحب والبغض والجبن والشجاعة والغضب والخوف ونحوها أنها داخلة على الإنسان اضطرارا; إما لأنها من أصل الخلقة ، فلا يطلب إلا بتوابعها; فإن ما في فطرة الإنسان من الأوصاف يتبعها بلا بد أفعال اكتسابية ، فالطلب وارد على تلك الأفعال لا على ما نشأت عنه ، كما لا تدخل القدرة ولا العجز تحت الطلب ، وإما لأن لها باعثا من غيره فتثور فيه فيقتضي لذلك أفعالا أخر ، فإن كان المثير لها هو السابق وكان مما يدخل تحت كسبه; فالطلب يرد عليه كقوله : " تهادوا تحابوا " فيكون كقوله : " " مرادا به التوجه إلى النظر في أحبوا [ ص: 179 ] الله لما أسدى إليكم من نعمه ، وكنهيه عن النظر المثير للشهوة الداعية إلى ما لا يحل ، وعين الشهوة لم ينه عنه ، وإن لم يكن المثير لها داخلا تحت كسبه; [ ص: 181 ] فالطلب يرد على اللواحق; كالغضب المثير لشهوة الانتقام كما يثير النظر شهوة الوقاع . نعم الله تعالى [ ص: 180 ] على العبد وكثرة إحسانه إليه