[ ص: 296 ] [ ص: 297 ] القسم الثاني من قسمي الأحكام
وهو يرجع إلى ، وهو ينحصر في الأسباب والشروط والموانع ، والصحة والبطلان ، والعزائم والرخص ; فهذه خمسة أنواع ، فالأول ينظر فيه في مسائل : [ ص: 298 ] النوع الأول في الأسباب خطاب الوضع
المسألة الأولى
الأفعال الواقعة في الوجود المقتضية لأمور تشرع لأجلها أو توضع فتقتضيها على الجملة ضربان :
أحدهما : خارج عن مقدور المكلف .
والآخر : ما يصح دخوله تحت مقدوره .
فالأول قد يكون سببا ، ويكون شرطا ، ويكون مانعا .
فالسبب : مثل كون الاضطرار سببا في إباحة الميتة ، وخوف العنت سببا في إباحة نكاح الإماء ، والسلس سببا في إسقاط وجوب الوضوء لكل صلاة مع وجود الخارج ، وزوال الشمس أو غروبها أو طلوع الفجر سببا في إيجاب تلك الصلوات ، وما أشبه ذلك .
والشرط : ككون الحول شرطا في إيجاب الزكاة ، والبلوغ شرطا في التكليف مطلقا ، والقدرة على التسليم شرطا في صحة البيع ، والرشد شرطا في دفع مال اليتيم إليه ، وإرسال الرسل شرطا في الثواب والعقاب ، وما كان نحو [ ص: 299 ] ذلك .
والمانع : ككون الحيض مانعا من الوطء والطلاق والطواف بالبيت ووجوب الصلوات وأداء الصيام ، والجنون مانعا من القيام بالعبادات وإطلاق التصرفات ، وما أشبه ذلك .
وأما الضرب الثاني : فله نظران :
نظر من حيث هو مما يدخل تحت خطاب التكليف ـ مأمورا به أو منهيا عنه أو مأذونا فيه ـ من جهة اقتضائه للمصالح أو المفاسد جلبا أو دفعا ; كالبيع والشراء للانتفاع ، والنكاح للنسل ، والانقياد للطاعة لحصول الفوز ، وما أشبه ذلك ، وهو بين .
[ ص: 300 ] ونظر من جهة ما يدخل تحت خطاب الوضع إما سببا أو شرطا أو مانعا .
أما السبب : فمثل كون النكاح سببا في حصول التوارث بين الزوجين وتحريم المصاهرة وحلية الاستمتاع ، والذكاة سببا لحلية الانتفاع بالأكل ، والسفر سببا في إباحة القصر والفطر ، والقتل والجرح سببا للقصاص ، والزنى وشرب الخمر والسرقة والقذف أسبابا لحصول تلك العقوبات ، وما أشبه ذلك ; فإن هذه الأمور وضعت أسبابا لشرعية تلك المسببات .
وأما الشرط : فمثل كون النكاح شرطا في وقوع الطلاق أو في حل مراجعة المطلقة ثلاثا ، والإحصان شرطا في رجم الزاني ، والطهارة شرطا في صحة الصلاة ، والنية شرطا في صحة العبادات ; فإن هذه الأمور ، وما أشبهها ; ليست بأسباب ، ولكنها شروط معتبرة في صحة تلك المقتضيات .
وأما المانع فككون نكاح الأخت مانعا من نكاح الأخرى ، ونكاح المرأة مانعا من نكاح عمتها وخالتها ، والإيمان مانعا من القصاص للكافر ، والكفر [ ص: 301 ] مانعا من قبول الطاعات ، وما أشبه ذلك ، وقد يجتمع في الأمر الواحد أن يكون سببا وشرطا ومانعا كالإيمان هو سبب في الثواب ، وشرط في وجوب الطاعات أو في صحتها ، ومانع من القصاص منه للكافر ، ومثله كثير .
غير أن هذه الأمور الثلاثة لا تجتمع للشيء الواحد ، فإذا وقع سببا لحكم شرعي فلا يكون شرطا فيه نفسه ولا مانعا له ؛ لما في ذلك من التدافع ، وإنما يكون سببا لحكم ، وشرطا لآخر ، ومانعا لآخر ، ولا يصح اجتماعها على الحكم الواحد ، ولا اجتماع اثنين منها من جهة واحدة ، كما لا يصح ذلك في أحكام خطاب التكليف .