الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في بئر بين أشراك قل ماؤها، فأبى بعضهم من الإصلاح، قال: إن كان في الماء ما يكفيهم أمر الذين أرادوا الإصلاح بالكنس وكان لهم ما زاد، وكذلك إن كان لأحدهم نخل يسيرة وفي نصيبه ما يكفيه ولا يكفي الآخر فيصلح من لا يكفيه، ويكون أحق بالفضل إلا أن يعطيه الآخر ما أنفق، [ ص: 3283 ] فإن كانت بئر ماشية، كان الشريك والأجنبيون في ذلك الفضل سواء .

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في هذين الموضعين، هل يجبر من أبى الإصلاح؟ والثاني: إذا أصلح أحدهم هل يكون أحق بجملة الماء؟

                                                                                                                                                                                        فقال مالك وابن القاسم: لا يجبر، وقال أشهب في مدونته: إن كانت النفقة يسيرة جبر، وإن كان في مائهم ماء يكفيهم ولم يخف على الباقي الذهاب إن ترك الكنس لم يجبر ، فعلى قوله: إذا لم يكن في الماء ما يكفيهم أو خيف ذهاب الباقي إن لم يصلح أجبر، وإن كثرت النفقة، وقال أبو مصعب: إن كان له نخل أو كرم أو أشجار على عين، فانقطع ماؤها فلم يصل إليه من الماء ما يجري لعامر، أجبره السلطان على العمل مع شركائه.

                                                                                                                                                                                        والمسألة في العتبية على أربعة أوجه: فإما أن يكون الماء على نخل مثمر أو زرع وهم فيه شركاء لا يستطيعون قسمته، أو يستطاع، أو لا شركة بينهم، أو لا حياة عليه لا نخل ولا غيره.

                                                                                                                                                                                        فإن كان عليه نخل مثمر أو زرع هم فيه شركاء، فهذا لا يستطاع قسمته، وإن ترك هلك، فيجبر على أن يصلح مع شركائه أو يبيع نصيبه من الماء والنخل والزرع، ممن يصلح أو يبيع بعض نصيبه ممن يصلح إن كان لا يستطاع القسمة.

                                                                                                                                                                                        وإن كان النخل لا شيء فيه، أو لا شركة بينهما، ولكل واحد نخل أو زرع بانفراده كان فيها قولان: [ ص: 3284 ]

                                                                                                                                                                                        فقال ابن القاسم: لا يجبر من أبى ويقال للآخر: اعمل ولك الماء كله إلا أن يأتي شريكه بما ينوبه من النفقة، قال: بمنزلة الدار بين الشريكين تنهدم.

                                                                                                                                                                                        وقال المخزومي وابن نافع: يجبر على العمل بمنزلة العلو والسفل ينهدم، وإن كان لا حياة عليه لم يجبر .

                                                                                                                                                                                        وقول ابن القاسم أحسن، وليس كالعلو والسفل; لأن لصاحب العلو على صاحب السفل حمل العلو، فكان له جبره على إعادة السفل لهذا الوجه، وهذان لا حق لأحدهما على الآخر.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في رجلين بينهما دار أو رحى أو حانوت حبسا فخرب، فأراد أحدهما العمل وأبى الآخر: لم يؤمر الذي أبى العمل بالبيع، وقيل للآخر اعمل، واستقل وحدك، فإن أعطى الشريك ما أنفق كان شريكا معه، ويجعل معه في النفقة أمين، وسوى بين الدار وغيرها .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في الرحى: الغلة كلها للعامل حتى يستوفي ما أنفق، وقال عيسى: الغلة كلها للعامل، وعليه كراء نصيب صاحبه من القاعة والأنقاض، وقال ابن دينار: للعامل من الغلة بقدر ما أنفق، وبقدر ما كان له فيها قبل أن ينفق، وللذي لم يعمل بقدر ماله من القاعة، وما بقي له من الحجارة وغيرها ، وهذا أقيسها أن يكونا كالشريكين، ومحمل قول مالك: للعامل ما أنفق. على أنه لا تغابن فيه، ولم يتغير سوقه، ولا تغير في نفسه، فإن [ ص: 3285 ] كان فيه غبن أو حال سوقه بغلاء أو رخص أو تغير في نفسه كانت القيمة يوم يقوم عليه شريكه.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية