فصل [في الدية في العينين وفي الأذنين]
وإن كان مفترقا كان في الأولى نصف الدية وفي الثانية دية كاملة، والدية تجب في العينين إذا ذهب نورهما ، وسواء طمست أو برزت أو بقي جمالها فلا يعلم بذهاب نورها، وإن طمست بعد ذلك كان فيها حكومة، وفرق بينها وبين السن أن ديتها تجب إذا اسودت وإن [ ص: 6380 ] بقيت منفعتها. وفي كتاب الديات تمام القول فيها. الدية تجب في العينين إذا ذهبتا معا،
وفي السمع الدية، في كل واحدة نصف الدية ذهب سمعهما معا أو مفترقا.
قال قال أشهب: أهل العراق في عين الأعور نصف الدية كاليدين، قال: وهذا غير مشتبه ; لأنه يبصر بالعين الواحدة ما يبصر بالاثنتين، وأما السمع فيسأل عنه، فإن كان يسمع بالواحدة ما يسمع بالاثنتين فهو كالبصر .
واختلف في أشراف الأذنين إذا ذهبا بانفرادهما دون السمع، فقال إذا اصطلمتا فتشدختا فيهما حكومة ، ومثله لو أبانهما. مالك:
وقال القاضي عن أبو محمد عبد الوهاب: روايتان: إحداهما الدية، والثاني الحكومة . لأن العمامة تسترهما، وهو أحسن وأمرهما أيسر من محاجر العينين. مالك
وقد قال فيهما حكومة. وقال مالك: محمد: وإن قطع من أشرافهما ما أذهب بعض السمع وإن قل فليس له إلا بقدر ما أذهب من السمع ولا شيء [ ص: 6381 ] له فيما اصطلم منهما. وقال في العتبية: له بقدر ما ذهب من السمع، وفي عقل ما أصيب من الأذن اجتهاد. وقيل: إن ذهب جميع السمع واصطلمتا ففي ذلك دية واحدة . ولم أر في ذلك خلافا. مالك
وقال الشيخ القياس أن يكون في السمع الدية وفي أشرافهما دية أو حكومة . يريد: أنه يكون فيهما ما كان يكون فيهما لو قطعتا دون السمع على الاختلاف فيهما هل تكون فيهما دية أو حكومة. أبو القاسم ابن الجلاب:
وإن رد أذنيه بعد أن قطعتا فثبتتا أو قلعت سنه فردها فثبتت أو نبتت في مكانها أخرى، فإن كان القطع والقلع عمدا كان فيهما القصاص قولا واحدا.
واختلف في الخطأ في السن وفيما أشبهه مما فيه دية مسماة، فقال في المدونة في السن: له ديتها . ابن القاسم
قال محمد: وليس السن عند كغيرها; لأنه يرى فيها ديتها وإن ثبتت قبل أن يأخذ عقلها إن كان خطأ، قال: وقال ابن القاسم ذلك مثل غيره من الجراح لا شيء له، قال: وكذلك لو ردها فثبتت لم يكن له شيء إلا أن يكون قد أخذ لذلك عقلا فلا يرده إلا أن يكون عمدا ففيه القصاص بكل حال . أشهب:
واتفقوا في الأربع -الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة- في الخطأ أن فيها ديتها وإن عادت لهيئتها، وفرق بين العمد والخطأ; لأن القصاص من [ ص: 6382 ] العمد في الجراح إنما يعتبر ما هو عليه وهو هيئته يوم الجرح وقياسه يومئذ، وفي الخطأ إنما يراعى ما يكون بعد البرء، فإن برئ على غير شين لم يكن له شيء ولا خلف في هذين القسمين. وإذا كان ذلك وجب القصاص في الأذن والسن وإن عادت لهيئتها; لأنه الحكم يوم كان الجرح، ويسقط حكم الخطأ عند كالذي برئ من الجرح على غير شين، ورأى أشهب أن ابن القاسم قياسا على الأربع الجائفة وأخواتها وكذلك كل ما كان فيه دية مسماة . في السن ديتها
ويختلف على هذا في أشراف الأذنين إذا ردهما وكان القطع خطأ، فعلى القول أن فيهما حكومة لا يكون له فيه شيء، وعلى القول أن فيهما الدية تكون له الدية كالسن، ولو ضرب رجل الأذن أو العين فصم أو عمي ثم عاد إليه سمعه أو بصره لم يكن له أن يقتص في العمد ولا دية له في الخطأ، وإن كان فيهما دية مسماة بخلاف السن; لأنه لم يذهب سمعه ولا بصره في الحقيقة، ولو ذهب ما عاد، وإنما محمل ذلك على أنه عرض في الأذن سدد وما أشبه ذلك، وفي العين ماء حال بين نفوذ نور العين فلما ذهب العرض سمع هذا وأبصر هذا الآخر بما كان خلق به من أول، وكذلك العقل إذا ذهب ثم عاد لم يكن فيه قصاص في العمد ولا دية في الخطأ. [ ص: 6383 ]
واختلف إذا أخذ عقل العين قبل أن يعود نورها ثم عاد، فقال في المدونة: يرد ما أخذ ، وقال ابن القاسم في كتاب أشهب محمد: لا يرد ذلك إذا كان أخذه بعد أن أبانها وتلفت في حقيقتها ولعل ذلك بقضاء إمام عدل ثم رد الله تعالى لعبده نعمة بصره، وقد سألت عن مالكا أيرد ما أخذ إلى طارحها، فقال: لا، قال رجل طرحت سنه فأخذ ديتها ثم ثبتت محمد: وقاله في السن وليست السن عنده كغيرها; لأنه يرى فيها ديتها وإن ثبتت قبل أن يأخذها . ابن القاسم
فساوى بين العين والسن في أنه لا يرد شيئا، وفرق أشهب بينهما ورأى أنه يرد في العين ولا يرد في السن، والوجه عنده ما تقدم، أن ذهاب البصر لم يكن حقيقة، ولو لم يأخذ ذلك حتى عاد نورها لم يأخذ شيئا، وزوال السن قد كان متحققا، ولو لم يأخذ ذلك حتى عادت لقضي له به. ابن القاسم
قال محمد: ولو رد ذلك المستقاد منه في الأذن والسن فثبتت له ولم تثبت للأول رأيت لصاحب السن والأذن عقلهما ، ولم نر له أن يقتص منه ثانية; لأن حق الأول كان بشيئين: وجود الألم وذهاب ذلك السن، وقد كان وجود الألم بالقطع، فلو قطع ثانية كان قد وجد الألم مرتين، فجاز له الدية دون معاودة القصاص. والقياس أن يكون له أن يقطعه ثانية; لأن وجود الألم تبع والعمدة وجود الشين والمثلة بذهاب ذلك منه كالأول ولأن من حق الأول أن [ ص: 6384 ] يمنعه من إعادة ذلك ليكون بين الناس ممثلا به كالأول، وإذا كان له منعه وكان متعديا في إعادة ذلك كان له إزالة ما تعدى فيه.
وقال في المدونة فيمن كسر أنف رجل خطأ: فإن برئ على غير عثل فلا شيء فيه، وإن برئ على عثل كان فيه الاجتهاد، وإن كان عمدا اقتص منه، فإن برئ المقتص منه على مثل جرح الأول أو أكثر فلا شيء على الأول، كان برئ الأول على عثل وبرئ المقتص منه على غير عثل أو على عثل دون الأول كان للأول حكومة بقدر ما زاد شينه مثل اليد . مالك
قال في الموطأ : ولو مات الثاني لم يكن على المستقاد له شيء . يريد: إذا كان القود بمثل الأول، ولو غلظ على الثاني فمات منه لكانت الدية على الذي غلظ عليه. [ ص: 6385 ]