الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن سورة الحج

بسم الله الرحمن الرحيم

قال أبو بكر : لم يختلف السلف وفقهاء الأمصار في السجدة الأولى من الحج أنها موضع سجود واختلفوا في الثانية منها وفي المفصل ، فقال أصحابنا : " سجود القرآن أربع عشرة سجدة ، منها الأولى من الحج وسجود المفصل في ثلاثة مواضع " وهو قول الثوري . وقال مالك : " أجمع الناس على أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء " . وقال الليث : " أستحب أن يسجد في سجود القرآن كله وسجود المفصل وموضع السجود من حم : إن كنتم إياه تعبدون وقال الشافعي : " سجود القرآن أربع عشرة سجدة سوى سجدة ص فإنها سجدة شكر " . قال أبو بكر : فاعتد بآخر الحج سجودا . وقد روي [ ص: 56 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد في ص وقال ابن عباس في سجدة حم : السجدة بآخر الآيتين ، كما قال أصحابنا .

وروى زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في النجم . وقال عبد الله بن مسعود : سجد النبي صلى الله عليه وسلم في النجم . قال أبو بكر : ليس فيما روى زيد بن ثابت من ترك النبي صلى الله عليه وسلم في النجم دلالة على أنه غير واجب فيه ، وذلك لأنه جائز أن لا يكون سجد ؛ لأنه صادف عند تلاوته بعض الأوقات المنهي عن السجود فيها فأخره إلى وقت يجوز فعله فيه ، وجائز أيضا أن يكون عند التلاوة على غير طهارة فأخره ليسجد وهو طاهر .

وروى أبو هريرة قال : سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في : إذا السماء انشقت و اقرأ باسم ربك الذي خلق واختلف السلف في الثانية من الحج ، فروي عن عمر وابن عباس وابن عمر وأبي الدرداء وعمار وأبي موسى أنهم قالوا : " في الحج سجدتان " وقالوا : " إن هذه السورة فضلت على غيرها من السور بسجدتين " .

وروى خارجة بن مصعب عن أبي حمزة عن ابن عباس قال : " في الحج سجدة " .

وروى سفيان بن عيينة عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الأولى عزمة والآخرة تعليم " .

وروى منصور عن الحسن عن ابن عباس قال : " في الحج سجدة واحدة " . وروي عن الحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد : " أن في الحج سجدة واحدة " . وقد روينا عن ابن عباس فيما تقدم أن في الحج سجدتين ، وبين في حديث سعيد بن جبير أن الأولى عزمة والثانية تعليم ، والمعنى فيه والله أعلم أن الأولى هي السجدة التي يجب فعلها عند التلاوة وأن الثانية كان فيها ذكر السجود فإنما هو تعليم الصلاة التي فيها الركوع والسجود ، وهو مثل ما روى سفيان عن عبد الكريم عن مجاهد قال : السجدة التي في آخر الحج إنما هي موعظة وليست بسجدة ، قال الله تعالى : اركعوا واسجدوا فنحن نركع ونسجد . فقول ابن عباس هو على معنى قول مجاهد ، ويشبه أن يكون من روي عنه من السلف أن في الحج سجدتين إنما أرادوا أن فيه ذكر السجود في موضعين وأن الواجبة هي الأولى دون الثانية على معنى قول ابن عباس . ويدل على أنه ليس بموضع سجود أنه ذكر معه الركوع ، والجمع بين الركوع والسجود مخصوص به الصلاة ، فهو إذا أمر بالصلاة والأمر بالصلاة مع انتظامها للسجود ليس بموضع سجود ، ألا ترى أن قوله : وأقيموا الصلاة ليس بموضع للسجود ؟ وقال تعالى : يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين وليس ذلك سجدة ؟ وقال : فسبح بحمد ربك [ ص: 57 ] وكن من الساجدين وليس بموضع سجود ؛ لأنه أمر بالصلاة ؟ كقوله تعالى : واركعوا مع الراكعين

التالي السابق


الخدمات العلمية