الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                369 قال مسلم وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري فقال أبو الجهم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد عليه السلام

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة ) هكذا وقع في صحيح مسلم من جميع [ ص: 50 ] الروايات منقطعا بين مسلم والليث ، وهذا النوع يسمى معلقا ، وقد تقدم بيانه ، وإيضاح هذا الحديث وغيره مما في معناه في الفصول السابقة في مقدمة الكتاب ، وذكرنا أن في صحيح مسلم أربعة عشر أو اثني عشر حديثا منقطعة هكذا وبيناها ، والله أعلم .

                                                                                                                قوله في حديث الليث هذا : ( أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة ) هكذا هو في أصول صحيح مسلم قال أبو علي الغساني وجميع المتكلمين على أسانيد مسلم : قوله عبد الرحمن خطأ صريح ، وصوابه عبد الله بن يسار ، وهكذا رواه البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم على الصواب ، فقالوا : عبد الله بن يسار قال القاضي عياض : ووقع في روايتنا صحيح مسلم من طريق السمرقندي عن الفارسي عن الجلودي عن عبد الله بن يسار على الصواب ، وهم أربعة إخوة عبد الله ، وعبد الرحمن ، وعبد الملك ، وعطاء مولى ميمونة . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( دخلنا على أبي الجهم بن الحارث بن الصمة ) أما الصمة فبكسر الصاد المهملة وتشديد الميم ، وأما ( أبو الجهم ) فبفتح الجيم وبعدها هاء ساكنة هكذا هو في مسلم ، وهو غلط ، وصوابه ما وقع في صحيح البخاري وغيره ( أبو الجهيم ) بضم الجيم وفتح الهاء وزيادة ياء ، هذا هو المشهور في كتب الأسماء ، وكذا ذكره مسلم في كتابه في أسماء الرجال ، والبخاري في تاريخه ، وأبو داود والنسائي وغيرهم ، وكل من ذكره من المصنفين في الأسماء والكنى وغيرهما . واسم أبي الجهيم عبد الله كذا سماه مسلم في كتاب الكنى ، وكذا سماه أيضا غيره .

                                                                                                                والله أعلم أن أبا الجهيم هذا هو المشهور أيضا في حديث المرور بين يدي المصلي ، واسمه عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري البخاري ، وهو غير أبي الجهم المذكور في حديث الخميصة والأنبجانية ، ذلك بفتح الجيم بغير ياء ، واسمه عامر بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي من بني عدي بن كعب ، وسنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                قوله : ( أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل ) هو بفتح الجيم والميم ورواية النسائي ( بئر الجمل ) بالألف واللام وهو موضع بقرب المدينة . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ، ثم رد - عليه السلام - ) . هذا الحديث محمول على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عادما للماء حال التيمم ، فإن التيمم مع وجود الماء لا يجوز للقادر على استعماله . ولا فرق بين أن يضيق وقت الصلاة وبين أن يتسع ، ولا فرق أيضا بين صلاة الجنازة والعيد وغيرهما . هذا مذهبنا ومذهب الجمهور .

                                                                                                                وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : يجوز أن يتيمم مع وجود الماء لصلاة الجنازة والعيد إذا خاف فوتهما . وحكى البغوي من أصحابنا عن بعض أصحابنا أنه إذا خاف فوت الفريضة لضيق الوقت صلاها بالتيمم ثم توضأ وقضاها ، والمعروف الأول . والله أعلم .

                                                                                                                وفي هذا الحديث جواز التيمم بالجدار إذا كان عليه غبار . وهذا جائز عندنا وعند الجمهور من السلف والخلف ، واحتج به من جوز [ ص: 51 ] التيمم بغير التراب ، وأجاب الآخرون بأنه محمول على جدار عليه تراب ، وفيه دليل على جواز التيمم للنوافل والفضائل كسجود التلاوة والشكر ومس المصحف ونحوها ، كما يجوز للفرائض ، وهذا مذهب العلماء كافة إلا وجها شاذا منكرا لبعض أصحابنا أنه لا يجوز التيمم إلا للفريضة ، وليس هذا الوجه بشيء فإن قيل : كيف تيمم بالجدار بغير إذن مالكه؟ فالجواب أنه محمول على أن هذا الجدار كان مباحا أو مملوكا لإنسان يعرفه فأدل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وتيمم به لعلمه بأنه لا يكره مالكه ذلك ، ويجوز مثل هذا والحالة هذه لآحاد الناس فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أولى . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية