الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل )

قال أبو جعفر : والذي رغب الله في وصله وذم على قطعه في هذه الآية : الرحم . وقد بين ذلك في كتابه ، فقال تعالى : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) [ سورة محمد : 22 ] . وإنما عنى بالرحم ، أهل الرحم الذين جمعتهم وإياه رحم والدة واحدة . وقطع ذلك : ظلمه في ترك أداء ما ألزم الله من حقوقها ، وأوجب من برها . ووصلها : أداء الواجب لها إليها من حقوق الله التي أوجب لها ، والتعطف عليها بما يحق التعطف به عليها .

" وأن " التي مع " يوصل " في محل خفض ، بمعنى ردها على موضع الهاء التي في " به " : فكان معنى الكلام : ويقطعون الذي أمر الله بأن يوصل . والهاء التي في " به " هي كناية عن ذكر " أن يوصل " وبما قلنا في تأويل قوله : " ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل " وأنه الرحم ، كان قتادة يقول : [ ص: 416 ]

574 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : " ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل " فقطع والله ما أمر الله به أن يوصل بقطيعة الرحم والقرابة .

وقد تأول بعضهم ذلك : أن الله ذمهم بقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به وأرحامهم . واستشهد على ذلك بعموم ظاهر الآية ، وأن لا دلالة على أنه معني بها بعض ما أمر الله وصله دون بعض .

قال أبو جعفر : وهذا مذهب من تأويل الآية غير بعيد من الصواب ، ولكن الله جل ثناؤه قد ذكر المنافقين في غير آية من كتابه ، فوصفهم بقطع الأرحام . فهذه نظيرة تلك ، غير أنها - وإن كانت كذلك - فهي دالة على ذم الله كل قاطع قطع ما أمر الله بوصله ، رحما كانت أو غيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية