الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وفي جعل المخالط الموافق كالمخالف نظر )

                                                                                                                            ش : يعني أنه إذا خالط الماء شيء أجنبي ينفك عنه غالبا ولكنه موافق لأوصاف الماء الثلاثة أعني اللون والطعم والريح فلم يغيره فهل يجعل ذلك المخالط الموافق لأوصاف الماء كأنه مخالف للماء فيسلبه الطهورية لأن الأوصاف الموجودة والحالة هذه إنما هي أوصاف للماء والمخالط وأدنى الأمور في ذلك الشك فيه أو لا يجعله مخالفا لأنه يصدق على الماء أنه باق على أوصاف خلقته وذلك يقتضي استعماله في ذلك نظر فالنظر في الجعل وعدم الجعل وعدل عن قول ابن الحاجب وفي تقدير موافق صفة الماء مخالفا نظر لينبه على أن النظر في كلام ابن الحاجب إنما هو في وجود التقدير وعدمه أي هل نقدره مخالفا أو لا نقدره مخالفا لا في كيفية التقدير بمعنى أنا لا ندري بأي نوع نلحقه كما أشار إلى ذلك في التوضيح فعدل إلى لفظ الجعل لأنه لا يحتمل ذلك قال في التوضيح : وعلى هذا لا نص في المسألة وكذا قال ابن عطاء الله أنه لم يقف في هذه المسألة على شيء قال : والذي أراه أنه إن وجد غيره لم يستعمله وإن لم يجد غيره توضأ وتيمم .

                                                                                                                            قال ابن راشد وابن عطاء الله أخذ المصنف يعني ابن الحاجب قال : وقد تردد سند فيمن وجد من الماء دون كفايته فخلطه بماء الزرجون أو غيره مما لا يتغير به هل يتطهر به لأنه ماء لم يتغير أو لا يتطهر به لأنه تطهر بغير الماء جزما قال : والظاهر أنه لا يتطهر به ثم إذا ظهر أنه مخالف فينظر في الواقع إما أن يكون طاهرا أو نجسا وإما أن يكون الماء قليلا أو كثيرا أجره على ما تقدم ثم ذكر عن ابن عبد السلام أنه صور المسألة بصورتين : إحداهما أن يخالط الماء ما هو موافق بصفته كالرياحين المقطوعة الرائحة ، والثانية أن يكون الماء متغيرا بما لا ينفك عنه فيخالطه مائع مخالط لصفته قال ابن عبد السلام : واعلم أن الأصل التمسك ببقاء أوصاف الماء حتى يتحقق زوالها أو يظن كما لو كان المخالط للماء هو الأكثر قال : ولا تقدر الأوصاف الموافقة مخالفة لعدم الانضباط مع التقدير إذ يلزم إذا وقعت نقطة أو نقطتان من ماء الزهر أن لا تؤثر لأنها لا تغير الماء ولو كانت من ماء الورد لأثرت لأنها تغيره .

                                                                                                                            وكذلك ربما غيره مقدار من ماء الورد ولم يغيره ذلك المقدار من ماء آخر من مياه الورد لرداءته فلو روعي مثل هذا لما انضبط والشريعة السمحة تقتضي طرح ذلك قال المصنف : وفيه نظر لأنه إذا قدرناه بالوسط كما هو الأصح عند الشافعية وجعلنا الماء كأنه غير مغير في صورة ما إذا كان مغيرا بقراره لم يلزم ما ذكره هذا ملخص ما ذكره في التوضيح في هذه المسألة وجعل ابن راشد من صور المسألة البول إذا ذهبت رائحته حتى صار كالماء قال ابن فرحون وهذا مشكل وذكر عن الشيخ أبي علي ناصر الدين أن المخالط إذا كان نجسا فالماء نجس مطلقا .

                                                                                                                            ( قلت ) : وظاهر كلامهم أن النظر في [ ص: 65 ] جعل المخالط الموافق كالمخالف ولو غلب على الظن أن ذلك المخالط لو كان باقيا على أوصافه لغير الماء وهذا مشكل والذي يظهر لي أنه يفصل في المسألة فإن حصل الشك في ذلك المخالط هل يسلب الطهورية لو كان باقيا على أوصافه فيمكن أن يقال كما قال ابن عطاء الله إنه إن وجد غيره لم يستعمله وإن لم يجد استعمله وتيمم وهذا على وجه الاحتياط وقد يقال : الأصل في الماء الطهورية حتى يغلب على الظن حصول ما يسلبها وهذا هو الذي يأتي على قول ابن القاسم في المسألة التي بعدها أعني مسألة الريق وأما حيث يغلب على الظن شيء في أمر المخالط فينبغي أن يعمل عليه فإن كان الماء كثيرا والمخالط يسيرا بحيث يغلب على الظن أنه لو كان باقيا على صفاته لم يغير الماء فإن كان طاهرا فلا شك في جواز استعماله ولو كان غيره موجودا وإن كان نجسا فينظر إلى كثرة الماء وقلته فإن كان الماء كثيرا أكثر من آنية الوضوء والغسل فهو طهور بلا كراهة وإلا فهو مكروه لأنه ماء يسير حلته نجاسة ولم تغيره .

                                                                                                                            وإن كان الماء قليلا والمخالط كثيرا بحيث يغلب على الظن أنه لو . كان باقيا على أوصافه لغير الماء فإن كان المخالط طاهرا كان الماء طاهرا غير مطهر وإن كان نجسا كان الماء نجسا وفي كلام سند في مسألة ماء الزرجون إشارة إلى هذه وكذا في كلام ابن عرفة فإنه قال : وفي قول ابن الحاجب في تقديره موافق صفة الماء مخالفا نظر لأن الموافق قل أو كثر في قليل أو كثير الروايات والأقوال واضحة ببيان حكم صوره ولا شك في عدم قصر الحكم على التغيير المحسوس ولذا قيل ما قيل في مسألة القابسي وتقدير الموافق مخالفا قلب للحقائق كالمتحرك ساكنا انتهى . فيفهم منه أنه ينظر إلى قدر المخالط والمخالف ويبقى النظر في قدر ما يضر وما لا يضر وإلى هذا مال ابن الإمام في شرح ابن الحاجب قال : وقول ابن العربي في مسالكه أن الطهور إذا خالطه مائع لا يخالف لونه وطعمه وريحه كالعرق وماء الشجر فالظاهر أنه طهور بعيد لإطلاقه وإن كانت صورة كون المخالط أكثر غير مرادة لقوله بعده وإذا كان المخالط أكثر تبعه الماء لأن المساواة مانعة من التبعية ولاستلزامه صحة الطهارة فيما قال سند إنه لا يتطهر به انتهى . وفي كلام ابن عبد السلام أيضا إشارة إلى ذلك فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية