الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في صفة الإحداد وعما يكون]

                                                                                                                                                                                        الإحداد يتضمن الامتناع من خمس: لباس المصبغات إلا السواد، والحلي والخاتم فما فوقه، والكحل، والطيب، وإلقاء التفث.

                                                                                                                                                                                        قال مالك: تلبس الحاد البياض -الكتان والقطن والحرير- ولم تمنع الحسن من الثياب إذا كانت بيضا. ومنع من المصبوغ: الحمر والصفر، والخضر، والدكن وإن كانت من صوف أو قطن أو كتان.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا في عصب اليمن: رقيقه بمنزلة المصبوغ من غيره، ووسع في غليظه وإن كان مصبوغا. وقال ربيعة: تتقي شهرة الثياب.

                                                                                                                                                                                        وإليه ذهب أبو محمد عبد الوهاب، فقال: تمنع من كل زينة من اللباس والطيب وكل ما تتزين به المرأة لزوجها ويدعو الزوج إلى نكاحها ويهيج الشهوة.

                                                                                                                                                                                        وهذا أحسن، وأرى أن تمنع من الثياب الحسنة وإن كانت بيضا؛ لأنها تزيد في الوضاءة وتنظر حينئذ لنفسها ويتشوف لها، وكذلك الرفيع من السواد، وعلى هذا يدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب [ ص: 2210 ] عصب". أنه راعى الجيد من الدنيء.

                                                                                                                                                                                        ولا أرى أن يمنع الأخضر والأزرق الرديء، ويباح النفيس من الحرير.

                                                                                                                                                                                        وإذا لم تجد إلا ثوبا مصبوغا فقدرت على بيعه أو تغيير صبغه بسواد فعلت، وإن لم تجد لبست، وقد يستحب بقاؤه على حاله إذا كان في تغييره فساد.

                                                                                                                                                                                        ومنع مالك الحلي- قياسا على ما جاء في منع المصبوغ والكحل؛ لأن كل ذلك من زينة النساء.- ولا تلبس خاتما ولا خرصا ولا خلخالا لا فضة ولا ذهبا.

                                                                                                                                                                                        ومنع محمد خاتم الحديد.

                                                                                                                                                                                        وقاس أشهب على هذا التفث، فقال: لا تدخل الحمام ولا تطلي جسدها، ولا بأس أن تستحد وهذا صواب؛ لأن الإحداد أضيق من الإحرام للمرأة. وقد أجيز للمحرمة لباس الحلي والمصبوغ ومنعت ذلك الحاد، وإذا كان ذلك ومنعت المحرمة من الحمام وأن تطلي جسدها كانت الحاد أولى بالمنع. [ ص: 2211 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف في الكحل إذا كان بها رمد، فروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع ذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال في مختصر ابن عبد الحكم: لا تكتحل بإثمد فيه طيب وإن اشتكت عينها. وقال أيضا: لا تجعل الصبر على عينها إلا أن تضطر فتجعله بالليل وتمسحه بالنهار.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك: ولا تمشط بشيء من الحناء والكتم ولا بما يختمر في رأسها، ولا بأس بالسدر.

                                                                                                                                                                                        وقال في الأمة يموت عنها زوجها، فيريد سيدها بيعها وأن يزينها للبيع، فلا تلبس الثياب المصبوغة ولا الحلي ولا شيئا من الزينة، ولا تتطيب بشيء من الطيب ولا بأس بالزيت، ولا يضع بها ما لا يجوز للحاد أن تفعله. [ ص: 2212 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية