الآية الثامنة عشرة :
قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون }
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : استدل بعض علمائنا المخالفين على أن
nindex.php?page=treesubj&link=4513بيع الفضولي لا يصح بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164ولا تكسب كل نفس إلا عليها } .
وعارضهم علماؤنا بأن المراد بالآية تحمل الثواب والعقاب دون أحكام الدنيا .
ويحتمل أن يكون المراد بذلك كسب الإلزام والالتزام ، لا كسب المعونة والاستخدام ; فقد يتعاون المسلمون ويتعاملون بحكم العادة والمروءة والمشاركة ; هذا رسول الله قد باع له واشترى
عروة البارقي في دينار وتصرف بغير أمره ، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وأمضاه ; نصه : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3265أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى عروة البارقي دينارا ، وأمره أن يشتري له شاة من الجلب فاشترى له به شاتين ، وباع إحداهما بدينار ، وجاء بالدينار وبالشاة [ ص: 300 ] فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة ; فكان لا يتجر في سوق إلا ربح فيها حتى لو اتجر في التراب لربح فيه } .
قال : ولقد كنت أخرج إلى
الكناسة بالكوفة فلا أرجع إلا وقد ربحت ربحا عظيما .
وقد مهدنا الكلام عليه في صريح الحديث وتلخيص الطريقتين ، فانظروه تجدوه إن شاء الله .
المسألة الثانية : قوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=28977 { nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164ولا تزر وازرة وزر أخرى }
للوزر معنيان :
أحدهما : الثقل ; وهو المراد هاهنا ، يقال وزره يزره إذا حمل ثقله ، ومنه قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=2ووضعنا عنك وزرك } . والمراد به هاهنا الذنب ; قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=31وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } يعني ذنوبهم {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=31ألا ساء ما يزرون } أي : بئس الشيء شيئا يحملون .
والمعنى لا تحمل نفس مذنبة عقوبة الأخرى ; وإنما تؤخذ كل نفس منهم بجريرتها التي اكتسبتها ، كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } .
وقد وفد
أبو رمثة رفاعة بن يثربي التميمي مع ابنه على النبي صلى الله عليه وسلم قال : فقال : أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه .
وهذا إنما بينه لهم ردا على اعتقادهم في الجاهلية من مؤاخذة الرجل بابنه وبأبيه وبجريرة حليفه .
المسألة الثالثة :
وهذا حكم من الله تعالى نافذ في الدنيا والآخرة ; وهو ألا يؤخذ أحد بجرم أحد ، بيد أنه يتعلق ببعض الناس من بعض أحكام في مصالح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتعاون على البر والتقوى ، وحماية النفس والأهل عن العذاب ، كما قال تعالى :
[ ص: 301 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6قوا أنفسكم وأهليكم نارا } .
والأصل في ذلك كله أن المرء كما يفترض عليه أن يصلح نفسه باكتساب الخير فواجب عليه أن يصلح غيره بالأمر به والدعاء إليه والحمل عليه ، وهذه فائدة الصحبة ، وثمرة المعاشرة ، وبركة المخالطة ، وحسن المجاورة ; فإن [ حسن في ذلك كله كان معافى في الدنيا والآخرة ، وإن ] قصر في ذلك كله كان معاقبا في الدنيا والآخرة ، فعليه أولا إصلاح أهله وولده ، ثم إصلاح خليطه وجاره ، ثم سائر الناس بعده ، بما بيناه من أمرهم ودعائهم وحملهم ; فإن فعلوا ، وإلا استعان بالخليفة لله في الأرض عليهم ، فهو يحملهم على ذلك قسرا ، ومتى أغفل الخلق هذا فسدت المصالح ، وتشتت الأمر ، واتسع الخرق ، وفات الترقيع ، وانتشر التدمير ; ولذلك يروون أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كفل المتهمين عشائرهم ، وذلك بالتزامهم كفهم أو رفعهم إليه حتى ينظر فيهم ، والله يتولى التوفيق برحمته .
الْآيَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ :
قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اسْتَدَلَّ بَعْضُ عُلَمَائِنَا الْمُخَالِفِينَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=4513بَيْعَ الْفُضُولِيِّ لَا يَصِحُّ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلَّا عَلَيْهَا } .
وَعَارَضَهُمْ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ تَحَمُّلُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ دُونَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ كَسْبَ الْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ ، لَا كَسْبَ الْمَعُونَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ ; فَقَدْ يَتَعَاوَنُ الْمُسْلِمُونَ وَيَتَعَامَلُونَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَالْمُرُوءَةِ وَالْمُشَارَكَةِ ; هَذَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ بَاعَ لَهُ وَاشْتَرَى
عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ فِي دِينَارٍ وَتَصَرَّفَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ، فَأَجَازَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْضَاهُ ; نَصُّهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=3265أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ إلَى عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ دِينَارًا ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً مِنْ الْجَلَبِ فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ ، وَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ ، وَجَاءَ بِالدِّينَارِ وَبِالشَّاةِ [ ص: 300 ] فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ ; فَكَانَ لَا يَتَّجِرُ فِي سُوقٍ إلَّا رَبِحَ فِيهَا حَتَّى لَوْ اتَّجَرَ فِي التُّرَابِ لَرَبِحَ فِيهِ } .
قَالَ : وَلَقَدْ كُنْت أَخْرُجُ إلَى
الْكُنَاسَةِ بِالْكُوفَةِ فَلَا أَرْجِعُ إلَّا وَقَدْ رَبِحْت رِبْحًا عَظِيمًا .
وَقَدْ مَهَّدْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي صَرِيحِ الْحَدِيثِ وَتَلْخِيصِ الطَّرِيقَتَيْنِ ، فَانْظُرُوهُ تَجِدُوهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28977 { nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
لِلْوِزْرِ مَعْنَيَانِ :
أَحَدُهُمَا : الثِّقَلُ ; وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا ، يُقَالُ وَزَرَهُ يَزِرُهُ إذَا حَمَلَ ثِقَلَهُ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=2وَوَضَعْنَا عَنْك وِزْرَك } . وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا الذَّنْبُ ; قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=31وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ } يَعْنِي ذُنُوبَهُمْ {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=31أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ } أَيْ : بِئْسَ الشَّيْءُ شَيْئًا يَحْمِلُونَ .
وَالْمَعْنَى لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ مُذْنِبَةٌ عُقُوبَةَ الْأُخْرَى ; وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ كُلُّ نَفْسٍ مِنْهُمْ بِجَرِيرَتِهَا الَّتِي اكْتَسَبَتْهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } .
وَقَدْ وَفَدَ
أَبُو رِمْثَةَ رِفَاعَةُ بْنُ يَثْرِبِيٍّ التَّمِيمِيُّ مَعَ ابْنِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَقَالَ : أَمَا إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ .
وَهَذَا إنَّمَا بَيَّنَّهُ لَهُمْ رَدًّا عَلَى اعْتِقَادِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ مُؤَاخَذَةِ الرَّجُلِ بِابْنِهِ وَبِأَبِيهِ وَبِجَرِيرَةِ حَلِيفِهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
وَهَذَا حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَافِذٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ; وَهُوَ أَلَّا يُؤْخَذَ أَحَدٌ بِجُرْمِ أَحَدٍ ، بَيْدَ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَعْضِ أَحْكَامٍ فِي مَصَالِحِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَحِمَايَةِ النَّفْسِ وَالْأَهْلِ عَنْ الْعَذَابِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
[ ص: 301 ] {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=6قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } .
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْمَرْءَ كَمَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَ نَفْسَهُ بِاكْتِسَابِ الْخَيْرِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَ غَيْرَهُ بِالْأَمْرِ بِهِ وَالدُّعَاءِ إلَيْهِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهِ ، وَهَذِهِ فَائِدَةُ الصُّحْبَةِ ، وَثَمَرَةُ الْمُعَاشَرَةِ ، وَبَرَكَةُ الْمُخَالَطَةِ ، وَحُسْنُ الْمُجَاوَرَةِ ; فَإِنْ [ حَسُنَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ مُعَافًى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَإِنْ ] قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ مُعَاقَبًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَعَلَيْهِ أَوَّلًا إصْلَاحُ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ ، ثُمَّ إصْلَاحُ خَلِيطِهِ وَجَارِهِ ، ثُمَّ سَائِرُ النَّاسِ بَعْدَهُ ، بِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَدُعَائِهِمْ وَحَمْلِهِمْ ; فَإِنْ فَعَلُوا ، وَإِلَّا اسْتَعَانَ بِالْخَلِيفَةِ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ عَلَيْهِمْ ، فَهُوَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَسْرًا ، وَمَتَى أَغْفَلَ الْخَلْقُ هَذَا فَسَدَتْ الْمَصَالِحُ ، وَتَشَتَّتَ الْأَمْرُ ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ ، وَفَاتَ التَّرْقِيعُ ، وَانْتَشَرَ التَّدْمِيرُ ; وَلِذَلِكَ يَرْوُونَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَفَّلَ الْمُتَّهَمِينَ عَشَائِرَهُمْ ، وَذَلِكَ بِالْتِزَامِهِمْ كَفَّهُمْ أَوْ رَفْعَهُمْ إلَيْهِ حَتَّى يَنْظُرَ فِيهِمْ ، وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى التَّوْفِيقَ بِرَحْمَتِهِ .