الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج كلهم يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          5 5 - ( مالك ، عن زيد بن أسلم ) العدوي المدني ( عن عطاء بن يسار ) بخفة السين المهملة بلفظ ضد يمين تقدما ( وعن بسر ) بضم الموحدة وإسكان السين المهملة آخره راء ( بن سعيد ) المدني العابد ثقة حافظ من التابعين .

                                                                                                          ( وعن الأعرج ) عبد الرحمن بن هرمز المدني ثقة ثبت عالم مات سنة سبع عشرة ومائة .

                                                                                                          ( كلهم يحدثونه ) أي : يحدثون زيد بن أسلم ( عن أبي هريرة ) الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة ، قال الشافعي : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في الدنيا ، واختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة ، واختلف في أيها أرجح ، فذهب كثيرون إلى أنه عبد الرحمن بن صخر ، وذهب جمع من النسابين أنه عمرو بن عامر مات سنة سبع وقيل : سنة ثمان وقيل : تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين سنة .

                                                                                                          ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ) الإدراك الوصول إلى الشيء فظاهره أنه يكتفى بذلك وليس مرادا بإجماع فحمله الجمهور على أنه أدرك الوقت ، فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته ، وصرح به في رواية الدراوردي ، عن زيد بن أسلم بسنده المذكور ولفظه : " من أدرك من الصبح ركعة قبل [ ص: 83 ] أن تطلع الشمس وركعة بعدما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة " ، وأصرح منه رواية أبي غسان محمد بن مطرف ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة : " ثم صلى ما بقي بعد طلوع الشمس " رواه البيهقي .

                                                                                                          وللبخاري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : " إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ، وإن أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " وللنسائي : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته " وللبيهقي : " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى " وفي هذا رد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحو ذلك ، وأراد بذلك نصرة مذهبه أن من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت لأحاديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ، ودعوى أنها ناسخة لهذا الحديث تحتاج إلى دليل ؛ إذ لا يصار إلى النسخ بالاحتمال ، والجمع بين الحديثين ممكن بحمل أحاديث النهي على النوافل ، ولا شك أن التخصيص أولى من دعوى النسخ .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : لا وجه لدعوى نسخ حديث الباب ؛ لأنه لم يثبت فيه تعارض بحيث لا يمكن الجمع ولا لتقديم حديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها عليه ؛ لأنه يحمل على التطوع .

                                                                                                          قال السيوطي : وجواب الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عن الحنفية بحمل الحديث على أن المراد فقد أدرك ثواب كل الصلاة باعتبار نيته لا باعتبار عمله ، وأن معنى قوله : " فليتم صلاته " فليأت بها على وجه التمام في وقت آخر بعيد يرده بقية طرق الحديث .

                                                                                                          وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة مرفوعا : " إذا صلى أحدكم ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليصل إليها أخرى " ( ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب ) وفي رواية تغيب ( الشمس ) زاد البيهقي من طريق أبي غسان : ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس ( فقد أدرك العصر ) وللبيهقي عن أبي غسان : فلم تفته في الموضعين وهو مبين أن بإدراكها يكون الكل أداء وهو الصحيح ، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت .

                                                                                                          وللفقهاء فيه كلام ، قال أبو السعادات بن الأثير : تخصيص هاتين الصلاتين بالذكر دون غيرهما مع أن هذا الحكم يعم جميع الصلوات ؛ لأنهما طرفا النهار ، والمصلي إذا صلى بعض الصلاة وطلعت الشمس أو غربت عرف خروج الوقت فلو لم يبين صلى الله عليه وسلم هذا الحكم ولا عرف المصلي أن صلاته تجزيه لظن فوات الصلاة وبطلانها بخروج الوقت وليس كذلك آخر أوقات الصلاة ؛ ولأنه نهى عن الصلاة عند الشروق والغروب ، فلو لم يبين لهم صحة صلاة من أدرك ركعة من هاتين الصلاتين لظن المصلي أن صلاته فسدت بدخول هذين الوقتين فعرفهم ذلك ليزول هذا الوهم .

                                                                                                          وقال الحافظ مغلطاي في رواية : " من أدرك ركعة [ ص: 84 ] من الصبح " وفي أخرى : " من أدرك من الصبح ركعة وبينهما فرق " وذلك أن من قدم الركعة فلأنها هي السبب الذي به الإدراك ، ومن قدم الصبح أو العصر قبل الركعة ؛ فلأن هذين الاسمين هما اللذان يدلان على هاتين الصلاتين دلالة خاصة تتناول جميع أوصافها بخلاف الركعة فإنها تدل على بعض أوصاف الصلاة فقدم اللفظ الأعم الجامع ، وهذا الحديث أخرجه البخاري عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية