الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        فيما إذا عجز عن القعود .

                                                                                                                                                                        قد ذكرنا أن العجز عن القيام ، يتحقق بتعذره ، أو لحوق مشقة شديدة ، أو غيرهما مما قدمناه . قال الجمهور : والعجز عن القعود ، يحصل بما يحصل به العجز عن القيام .

                                                                                                                                                                        وقال إمام الحرمين : لا يكفي ذلك ، بل يشترط فيه عدم تصور القعود ، أو خيفة الهلاك ، أو المرض الطويل ، إلحاقا له بالمرض المبيح للتيمم .

                                                                                                                                                                        وفي كيفية صلاته ، وجهان : وقيل : قولان :

                                                                                                                                                                        أصحهما : يضطجع على جنبه الأيمن ، مستقبلا بوجهه ومقدم بدنه القبلة ، كالميت في لحده . فلو خالف ، واضطجع على جنبه الأيسر ، صح ، إلا أنه ترك السنة .

                                                                                                                                                                        والثاني : [ ص: 237 ] أنه يستلقي على ظهره ، ويجعل رجليه إلى القبلة ، ويرفع وسادته قليلا ، وهذا الخلاف في القادر على الاضطجاع والاستلقاء . فإن لم يقدر إلا على أحدهما ، أتى به .

                                                                                                                                                                        قال إمام الحرمين : هذا الخلاف في الكيفية الواجبة ، بخلاف الخلاف السابق في كيفية القعود ، فإنه في الأفضل ، لاختلاف استقبال بهذا دون ذاك .

                                                                                                                                                                        وفي المسألة ، وجه ثالث : أنه يضطجع على جنبه ، وأخمصاه إلى القبلة . ثم إذا صلى على هيئة من هذه الهيئات ، وقدر على الركوع والسجود ، أتى بهما ، وإلا أومأ بهما منحنيا ، وقرب جبهته من الأرض بحسب الإمكان ، و [ جعل ] السجود أخفض من الركوع .

                                                                                                                                                                        فإن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه . فإن عجز عن تحريك الأجفان ، أجرى أفعال الصلاة على قلبه . فإن اعتقل لسانه ، أجرى القرآن والأذكار على قلبه ، وما دام عاقلا ، لا تسقط عنه الصلاة .

                                                                                                                                                                        ولنا وجه : أنه تسقط الصلاة ، إذا عجز عن الإيماء بالرأس ، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ، وهو شاذ .

                                                                                                                                                                        والمعروف في المذهب : ما قدمناه .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        القادر على القيام ، إذا أصابه رمد ، وقال له طبيب موثوق به : إن صليت مستلقيا أو مضطجعا أمكن مداواتك ، وإلا خيف عليك العمى جاز له الاضطجاع والاستلقاء على الأصح ، ولو قال : إن صليت قاعدا ، أمكنت .

                                                                                                                                                                        فقال إمام الحرمين : يجوز القعود قطعا ، ومفهوم كلام غيره : أنه على الوجهين . [ ص: 238 ] فرع :

                                                                                                                                                                        لو عجز في أثناء صلاته عن القيام ، قعد وبنى ، ولو صلى قاعدا ، فقدر على القيام في أثنائها ، قام وبنى ، وكذا لو صلى مضطجعا ، فقدر على القيام أو القعود أتى بالمقدور وبنى .

                                                                                                                                                                        ثم إذا تبدل الحال بالنقص إلى الكمال ، بأن قدر القاعد على القيام لخفة المرض ، نظر ، إذا اتفق ذلك قبل القراءة ، قام وقرأ قائما .

                                                                                                                                                                        وكذا إن كان في أثناء القراءة ، قام وقرأ بقية الفاتحة في حال القيام ، ويجب ترك القراءة في النهوض إلى أن ينتصب معتدلا . فلو قرأ في نهوضه بعض الفاتحة ، فعليه إعادته . وإن قدر بعد الفاتحة قبل الركوع ، لزمه القيام ليهوي منه إلى الركوع ، ولا يلزمه الطمأنينة في هذا القيام ؛ لأنه ليس مقصودا لنفسه .

                                                                                                                                                                        ويستحب في هذه الأحوال ، أن يعيد الفاتحة ليقع في حال الكمال ، ولو وجد الخفة في ركوعه قاعدا ، فإن كان قبل الطمأنينة لزمه الارتفاع إلى حد الراكعين عن قيام .

                                                                                                                                                                        ولا يجوز أن يرتفع قائما ثم يركع ، لئلا يزيد ركوعا ، ولو فعله بطلت صلاته ، وإن كان بعد الطمأنينة ، فقد تم ركوعه ، ولا يلزمه الانتقال إلى ركوع القائمين .

                                                                                                                                                                        ولو وجد الخفة في الاعتدال عن الركوع قاعدا ، فإن كان قبل الطمأنينة ، لزمه أن يقوم ، ليعتدل ويطمئن ، وإن كان بعدها ، فوجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : يلزمه أن يقوم ليسجد عن قيام ، وأصحهما : لا يلزمه لئلا يطول الاعتدال ، وهو ركن قصير .

                                                                                                                                                                        فإن اتفق ذلك في الركعة الثانية من الصبح قبل القنوت ، لم يقنت قاعدا .

                                                                                                                                                                        فإن فعل ، بطلت صلاته . بل يقوم ، ويقنت .

                                                                                                                                                                        أما إذا تبدل الحال من الكمال إلى النقص ، بأن عجز في أثناء الصلاة ، فينتقل إلى الممكن .

                                                                                                                                                                        فإن اتفق العجز في أثناء الفاتحة ، وجب إدامة القراءة في هويه . [ ص: 239 ] فرع :

                                                                                                                                                                        يجوز فعل النافلة قاعدا مع القدرة على القيام . لكن ثوابها يكون نصف ثواب القائم ، ولو تنفل مضطجعا ، مع القدرة على القيام ، والقعود ، جاز على الأصح .

                                                                                                                                                                        ثم المضطجع في الفريضة ، يأتي بالركوع والسجود ، إذا قدر عليهما ، وهنا الخلاف في جواز الاضطجاع يجري في الاقتصار على الإيماء . لكن الأصح منع الاقتصار على الإيماء .

                                                                                                                                                                        قال إمام الحرمين : ما عندي أن من جوز الاضطجاع ، يجوز الاقتصار في الأركان الذكرية كالتشهد والتكبير وغيرهما على ذكر القلب . ثم يستوي فيما ذكرناه النوافل كلها ، الراتبة وغيرها ، على الصحيح .

                                                                                                                                                                        وفي وجه شاذ : لا تجوز صلاة العيد والكسوف والاستسقاء قاعدا مع القدرة كالجنازة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية