الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين

                                                                                                                                                                                                                                      واتل عليهم عطف [ ص: 292 ] على المضمر العامل في إذ أخذ ، وارد على نمطه في الإنباء عن الحور بعد الكور ، والضلالة بعد الهدى ; أي : واتل على اليهود .

                                                                                                                                                                                                                                      نبأ الذي آتيناه آياتنا ; أي : خبره الذي له شأن وخطر ، وهو أحد علماء بني إسرائيل ، وقيل : هو بلعم بن باعوراء ، أو بلعام بن باعر ، من الكنعانيين ، أوتي علم بعض كتب الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هو أمية بن أبي الصلت ، وكان قد قرأ الكتب ، وعلم أن الله تعالى مرسل في ذلك الزمان رسولا ، ورجا أن يكون هو الرسول ، فلما بعث الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به ، والأول هو الأنسب بمقام توبيخ اليهود بهناتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      فانسلخ منها ; أي : من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة ، ولم يخطرها بباله أصلا ، أو خرج منها بالكلية بأن كفر بها ، ونبذها وراء ظهره ، وأيا ما كان ; فالتعبير عنه بالانسلاخ المنبئ عن اتصال المحيط بالمحاط خلقة ، وعن عدم الملاقاة بينهما أبدا ; للإيذان بكمال مباينته للآيات بعد أن كان بينهما كمال الاتصال .

                                                                                                                                                                                                                                      فأتبعه الشيطان ; أي : تبعه حتى لحقه وأدركه ، فصار قرينا له ، وهو المعنى على قراءة ( فاتبعه ) من الافتعال ، وفيه تلويح بأنه أشد من الشيطان غواية ، أو أتبعه خطواته .

                                                                                                                                                                                                                                      فكان من الغاوين فصار من زمرة الضالين الراسخين في الغواية ، بعد أن كان من المهتدين ، وروي أن قومه طلبوا إليه أن يدعوا على موسى عليه السلام ، فقال : كيف أدعو على من معه الملائكة ، فلم يزالوا به حتى فعل ; فبقوا في التيه ، ويرده أن التيه كان لموسى عليه السلام روحا وراحة ، وإنما عذب به بنو إسرائيل ، وقد كان ذلك بدعائه عليه السلام عليهم ، كما مر في سورة المائدة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية