الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 142 ] كتاب صلاة الكسوف الكسوف والخسوف شيء واحد ، وكلاهما قد وردت به الأخبار ، وجاء القرآن بلفظ الخسوف . ( 1463 ) مسألة ; قال أبو القاسم : ( وإذا خسفت الشمس أو القمر ، فزع الناس إلى الصلاة ، إن أحبوا جماعة ، وإن أحبوا فرادى ) صلاة الكسوف ثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سنذكره ، ولا نعلم بين أهل العلم في مشروعيتها لكسوف الشمس خلافا ، وأكثر أهل العلم على أنها مشروعة لخسوف القمر ، فعله ابن عباس . وبه قال عطاء ، والحسن ، والنخعي ، والشافعي ، وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال مالك : ليس لكسوف القمر سنة . وحكى ابن عبد البر عنه ، وعن أبي حنيفة أنهما قالا : يصلي الناس لخسوف القمر وحدانا ركعتين ركعتين ، ولا يصلون جماعة ; لأن في خروجهم إليها مشقة . ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا } . متفق عليه . فأمر بالصلاة لهما أمرا واحدا .

                                                                                                                                            وعن ابن عباس ، أنه صلى بأهل البصرة في خسوف القمر ركعتين ، وقال : إنما صليت لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي . ولأنه أحد الكسوفين ، فأشبه كسوف الشمس . ويسن فعلها جماعة وفرادى . وبهذا قال مالك ، والشافعي . وحكي عن الثوري أنه قال : إن صلاها الإمام صلوها معه ، وإلا فلا تصلوا . ولنا ، قوله عليه الصلاة والسلام { : فإذا رأيتموها فصلوا } . ولأنها نافلة ، فجازت في الانفراد ، كسائر النوافل .

                                                                                                                                            وإذا ثبت هذا فإن فعلها في الجماعة أفضل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في جماعة ، والسنة أن يصليها في المسجد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فيه . قالت عائشة : خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد ، فصف الناس وراءه . رواه البخاري . ولأن وقت الكسوف يضيق ، فلو خرج إلى المصلى احتمل التجلي قبل فعلها . وتشرع في الحضر والسفر ، بإذن الإمام وغير إذنه . وقال أبو بكر : هي كصلاة العيد ، فيها روايتان .

                                                                                                                                            ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { فإذا رأيتموها فصلوا } . ولأنها نافلة أشبهت سائر النوافل . وتشرع في حق النساء ; لأن عائشة وأسماء صلتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري . ويسن أن ينادى لها : الصلاة جامعة ; لما روي عن عبد الله بن عمرو ، قال : لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي بالصلاة جامعة . متفق عليه .

                                                                                                                                            ولا يسن لها أذان ولا إقامة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بغير أذان ولا إقامة ، ولأنها من غير الصلوات الخمس ، فأشبهت سائر النوافل

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية