الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6075 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب وقال لنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبي قال كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت ألهاكم التكاثر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        9633 قوله : عبد العزيز هو الأويسي وصالح هو ابن كيسان وابن شهاب هو الزهري .

                                                                                                                                                                                                        قوله أحب أن يكون كذا وقع بغير لام وهو جائز وقد تقدم من رواية ابن عباس بلفظ " لأحب " الحديث الخامس

                                                                                                                                                                                                        قوله وقال لنا أبو الوليد هو الطيالسي هشام بن عبد الملك وشيخه حماد بن سلمة لم يعدوه فيمن خرج له البخاري موصولا بل علم المزي على هذا السند في " الأطراف " علامة التعليق وكذا رقم لحماد بن سلمة في التهذيب علامة التعليق ولم ينبه على هذا الموضع وهو مصير منه إلى استواء قال فلان وقال لنا فلان وليس بجيد لأن قوله قال لنا ظاهر في الوصل وإن كان بعضهم قال إنها للإجازة أو للمناولة أو للمذاكرة فكل ذلك في حكم الموصول وإن كان التصريح بالتحديث أشد اتصالا والذي ظهر لي بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يأتي بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه كأن يكون ظاهره الوقف أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج .

                                                                                                                                                                                                        فمن أمثلة الأول قوله في كتاب النكاح في " باب ما يحل من النساء [ ص: 262 ] وما يحرم " : قال لنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد هو القطان " فذكر عن ابن عباس قال حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع الحديث فهذا من كلام ابن عباس فهو موقوف وإن كان يمكن أن يتلمح له ما يلحقه بالمرفوع ومن أمثلة الثاني قوله في المزارعة " قال لنامسلم بن إبراهيم حدثنا أبان العطار : " فذكر حديث أنس : لا يغرس مسلم غرسا الحديث فأبان ليس على شرطه كحماد بن سلمة وعبر في التخريج لكل منهما بهذه الصيغة لذلك وقد علق عنهما أشياء بخلاف الواسطة التي بينه وبينه وذلك تعليق ظاهر وهو أظهر في كونه لم يسقه مساق الاحتجاج من هذه الصيغة المذكورة هنا لكن السر فيه ما ذكرت وأمثلة ذلك في الكتاب كثيرة تظهر لمن تتبعها

                                                                                                                                                                                                        قوله عن ثابت هو البناني ويقال إن حماد بن سلمة كان أثبت الناس في ثابت وقد أكثر مسلم من تخريج ذلك محتجا به ولم يكثر من الاحتجاج بحماد بن سلمة كإكثاره في احتجاجه بهذه النسخة

                                                                                                                                                                                                        قوله عن أبي هو ابن كعب وهذا من رواية صحابي عن صحابي وإن كان أبي أكبر من أنس .

                                                                                                                                                                                                        قوله كنا نرى بضم النون أوله أي نظن ويجوز فتحها من الرأي أي نعتقد

                                                                                                                                                                                                        قوله : هذا لم يبين ما أشار إليه بقوله : هذا وقد بينه الإسماعيلي من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة ولفظه " كنا نرى هذا الحديث من القرآن لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا الحديث دون قوله : ويتوب الله إلخ .

                                                                                                                                                                                                        قوله حتى نزلت ألهاكم التكاثر زاد في رواية موسى بن إسماعيل " إلى آخر السورة " وللإسماعيلي أيضا من طريق عفان ومن طريق أحمد بن إسحاق الحضرمي قالا " حدثنا حماد بن سلمة " فذكر مثله وأوله " كنا نرى أن هذا من القرآن إلخ "

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : هكذا وقع حديث أبي بن كعب من رواية ثابت عن أنس عنه مقدما على رواية ابن شهاب عن أنس في هذا الباب عند أبي ذر وعكس ذلك غيره وهو الأنسب قال ابن بطال وغيره قوله ألهاكم التكاثر خرج على لفظ الخطاب لأن الله فطر الناس على حب المال والولد فلهم رغبة في الاستكثار من ذلك ومن لازم ذلك الغفلة عن القيام بما أمروا به حتى يفجأهم الموت .

                                                                                                                                                                                                        وفي أحاديث الباب ذم الحرص والشره ومن ثم آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا والقناعة باليسير والرضا بالكفاف ووجه ظنهم أن الحديث المذكور من القرآن ما تضمنه من ذم الحرص على الاستكثار من جمع المال والتقريع بالموت الذي يقطع ذلك ولا بد لكل أحد منه فلما نزلت هذه السورة وتضمنت معنى ذلك مع الزيادة عليه علموا أن الأول من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد شرحه بعضهم على أنه كان قرآنا ونسخت تلاوته لما نزلت ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر فاستمرت تلاوتها فكانت ناسخة لتلاوة ذلك وأما الحكم فيه والمعنى فلم ينسخ إذ نسخ التلاوة لا يستلزم المعارضة بين الناسخ والمنسوخ كنسخ الحكم والأول أولى وليس ذلك من النسخ في شيء . قلت يؤيد ما رده ما أخرجه الترمذي من طريق زر بن حبيش " عن أبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ عليه لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قال وقرأ فيها إن الدين عند الله الحنيفية السمحة الحديث وفيه " وقرأ عليه لو أن لابن آدم واديا من مال الحديث وفيه ويتوب الله على من تاب وسنده جيد والجمع بينه وبين حديث أنس عن أبي المذكور آنفا أنه يحتمل أن يكون أبي لما قرأ عليه [ ص: 263 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن وكان هذا الكلام في آخر ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - احتمل عنده أن يكون بقية السورة واحتمل أن يكون من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتهيأ له أن يستفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك حتى نزلت ألهاكم التكاثر فلم ينتف الاحتمال ومنه ما وقع عند أحمد وأبي عبيد في " فضائل القرآن " من حديث أبي واقد الليثي قال : كنا نأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه فيحدثنا فقال لنا ذات يوم إن الله قال إنما أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان الحديث بتمامه وهذا يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر به عن الله - تعالى - على أنه من القرآن ويحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية والله أعلم وعلى الأول فهو مما نسخت تلاوته جزما وإن كان حكمه مستمرا ويؤيد هذا الاحتمال ما أخرج أبو عبيد في " فضائل القرآن " من حديث أبي موسى قال " قرأت سورة نحو براءة فغبت وحفظت منها ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا الحديث ومن حديث جابر " كنا نقرأ لو أن لابن آدم ملء واد مالا لأحب إليه مثله " الحديث




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية