الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف : ( وأما الميتة من غير السمك والجراد والآدمي فهي نجسة ; لأنه محرم الأكل من غير ضرر ، فكان نجسا كالدم ، وأما السمك والجراد فهما طاهران ; لأنه يحل أكلهما ، ولو كانا نجسين لم يحل [ أكلهما ] .

                                      وأما الآدمي ففيه قولان [ ص: 579 ] أحدهما ) : أنه نجس ; لأنه ميت لا يحل أكله فكان نجسا كسائر الميتات ( والثاني ) : أنه طاهر لقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا } ولأنه لو كان نجسا لما غسل كسائر الميتات ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : أما الحديث فرواه الحاكم أبو عبد الله وصاحبه البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحاكم في آخر كتاب المستدرك على الصحيحين : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم قال البيهقي : وروي موقوفا على ابن عباس من قوله وكذا ذكره البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز تعليقا عن ابن عباس : " المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا " ورواية المرفوع مقدمة ; لأن فيها زيادة علم كما سبق تقريره في مقدمة الكتاب .

                                      وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن المؤمن لا ينجس } وهذا عام يتناول الحياة والموت .

                                      ( أما حكم المسألة ) فالسمك والجراد إذا ماتا طاهران بالنصوص والإجماع قال الله تعالى : " { أحل لكم صيد البحر وطعامه } وقال تعالى : " { وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا } وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في البحر : { هو الطهور ماؤه الحل ميتته } وقد سبق بيانه وفوائده في أول الكتاب وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : { غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد } رواه البخاري ومسلم ، وسواء عندنا الذي مات بالاصطياد أو حتف نفسه والطافي من السمك وغير الطافي وسواء قطع رأس الجرادة أم لا وكذا باقي ميتات البحر إذا قلنا بالأصح : إن الجميع حلال فميتتها طاهرة وسيأتي تفصيلها في بابها إن شاء الله تعالى .

                                      وأما الآدمي هل ينجس بالموت أم لا ؟ فيه هذان القولان الصحيح منهما : أنه لا ينجس اتفق الأصحاب على تصحيحه ودليله الأحاديث السابقة والمعنى الذي ذكره ، وعجب إرسال المصنف القولين من غير بيان الراجح منهما في مثل هذه المسألة التي تدعو الحاجة إليها ، وقد ذكر البندنيجي في كتاب الجنائز [ ص: 580 ] وصاحب الشامل في باب الآنية أن القول بالطهارة هو نصه في الأم وبالنجاسة هو نصه في البويطي ، وسواء في جريان القولين المسلم والكافر .

                                      وأما قوله تعالى : " { إنما المشركون نجس } فليس المراد نجاسة الأعيان والأبدان بل نجاسة المعنى والاعتقاد ، ولهذا { ربط النبي صلى الله عليه وسلم الأسير الكافر في المسجد } وقد أباح الله تعالى طعام أهل الكتاب والله أعلم .

                                      وأما باقي الميتات فنجسة ودليلها الإجماع ، واستثنى صاحب الحاوي وغيره فقالوا : الميتات نجسة إلا خمسة أنواع : السمك والجراد والآدمي والصيد إذا قتله سهم أو كلب معلم أرسله أهل للذكاة ، والجنين إذا خرج ميتا بعد ذكاة أمه وزاد القفال فحكم بطهارة ما ليس له نفس سائلة في قول كما حكيناه عنه في باب المياه وحكى صاحب الحاوي والشاشي عنه وجهين في نجاسة الضفدع بالموت ولا يرد شيء من هذا على المصنف . أما الصيد والجنين فليسا منه بل جعل الشرع هذا ذكاتهما ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح { ذكاة الجنين ذكاة أمه } فصرح بأنه مذكى شرعا وإن لم تنله السكين مباشرة ، وأما ما زاده القفال وصاحب الحاوي فضعيف انفردا به عن الجمهور والصحيح النجاسة كما أوضحناه هناك وبالله التوفيق .

                                      وأما قول المصنف : يحرم الأكل من غير ضرر وكان نجسا - فينتقض بالمخاط والمني وجلد الميتة إذا دبغ فإنها محرمة الأكل على الأصح من غير ضرر وليست نجسة ، فكان ينبغي أن يقول : من غير ضر ولا استقذار ، وقوله في السمك والجراد : يحل أكلها يعني من غير ضرورة ولا حاجة وإلا فالميتة يحل لها في المخمصة ، ويحل أكل الدواء النجس للحاجة وإن لم يكن ضرورة ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) العضو المنفصل من حيوان حي كألية الشاة وسنام البعير وذنب البقرة والأذن واليد وغير ذلك نجس بالإجماع ومما يستدل به من السنة حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال : { قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يجبون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم فقال : ما تقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة } رواه أبو داود والترمذي وغيرهم ، وهذا لفظ الترمذي ، قال الترمذي : حديث حسن قال : والعمل على هذا عند أهل [ ص: 581 ] العلم .

                                      وأما العضو المبان من السمك والجراد والآدمي كيده ورجله وظفره ومشيمة الآدمي ففيها كلها وجهان أصحهما طهارتها ، وهو الذي صححه الخراسانيون كميتاتها .

                                      والثاني : نجاستها وإنما يحكم بطهارة الجملة لحرمتها .

                                      وبهذا قطع العراقيون أو جمهورهم في يد الآدمي وسائر أعضائه وتكرر نقل القاضي أبي الطيب الاتفاق على نجاسة يد السارق ، وغيره إذا قطعت أو سقطت ، ونقل القاضي أيضا الاتفاق على نجاسة مشيمة الآدمي ، والصحيح الطهارة كما ذكرناه ، وأما مشيمة الآدمي فنجسة بلا خلاف كما في سائر أجزائه المنفصلة في حياته والله أعلم .

                                      ( فرع ) عصب الميتة غير الآدمي نجس بلا خلاف ، ولا يخرج على الخلاف في الشعر والعظم ; لأنه يحس ويألم بخلافهما ذكره المتولي وغيره والله أعلم .



                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في نجاسة الآدمي بالموت ، قد ذكرنا أن الأصح عندنا أنه لا ينجس ، وبه قال مالك وأحمد وداود وغيرهم ، وقال أبو حنيفة : ينجس وروي عنه أنه يطهر بالغسل ، وعن مالك وأحمد رواية بنجاسته .




                                      الخدمات العلمية