الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإذا nindex.php?page=treesubj&link=529_25938ولغ الكلب في إناء أو أدخل عضوا منه فيه وهو رطب لم يطهر الإناء حتى يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب ; لما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=21340طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعا إحداهن بالتراب } فعلق طهارته بسبع مرات فدل أنه لا يحصل بما دونه ) .
( الشرح ) : حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا صحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وقد ذكرناه قبل هذا ، لكن في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " أولاهن بالتراب " وأما رواية المصنف " إحداهن " فغريبة لم يذكرها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وأصحاب الكتب المعتمدة إلا nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني فذكرها من رواية علي رضي الله عنه .
وقد اختلف العلماء في nindex.php?page=treesubj&link=529_25938ولوغ الكلب ، فمذهبنا أنه ينجس ما ولغ فيه ويجب غسل إنائه سبع مرات إحداهن بالتراب ، [ ص: 598 ] وبهذا قال أكثر العلماء . حكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وجوب الغسل سبعا عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس وعمرو بن دينار nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور . قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وبه أقول ، وقال الزهري : يكفيه غسله ثلاث مرات وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : يجب غسله حتى يغلب على الظن طهارته ، فلو حصل ذلك بمرة أجزأه . وكذا عنده سائر nindex.php?page=treesubj&link=613_25938النجاسات العينية . قال : ويجب غسل nindex.php?page=treesubj&link=613النجاسة الحكمية ثلاثا .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رواية أنه يجب غسله ثماني مرات إحداهن بالتراب ، وهي رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=15858داود أيضا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك والأوزاعي : لا ينجس الطعام الذي ولغ فيه ، بل يحل أكله وشربه والوضوء به . قالا : ويجب غسل الإناء تعبدا . قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك : وإن nindex.php?page=treesubj&link=529_24583ولغ في ماء جاز أن يتوضأ به ; لأنه طاهر ، وفي جواز غسل هذا الإناء بهذا الماء روايتان عنه واحتج nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة بحديث يرويه عبد الوهاب بن الضحاك عن nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكلب يلغ في الإناء قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=44071يغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا } وبالقياس على سائر النجاسات .
واحتج nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد رحمه الله بحديث عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10683إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرار وعفروه الثامنة في التراب } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=0016867لمالك والأوزاعي في عدم نجاسته وجواز الانتفاع بالطعام بأن الأمر بغسل الإناء كان تعبدا ، ولا يلزم منه نجاسة الطعام وإتلافه . واحتج أصحابنا والجمهور على وجوب الغسل سبعا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=21340طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعا أولاهن بالتراب } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . وفي رواية عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10164إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وروى هذا المتن في الصحيح جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، وذكر أصحابنا أقيسة كثيرة ومناسبات لا قوة فيها ، ولا حاجة إليها مع ما ذكرناه من السنن الصحيحة المتظاهرة .
وأما الدليل على الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك فحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول [ ص: 599 ] الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=10681إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ، ثم ليغسله سبع مرار } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وهذا نص في وجوب إراقته وإتلافه وذلك ظاهر في نجاسته فلولا النجاسة لم تجز إراقته وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " طهور إناء أحدكم " ظاهر في نجاسته كما أوضحناه في مسألة نجاسة الكلب .
وأما الجواب عما احتج به nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة فهو أنه حديث ضعيف باتفاق الحفاظ ; لأن راويه عبد الوهاب مجمع على ضعفه وتركه ، قال الإمام nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني : هو متروك الحديث ، وهذه العبارة هي أشد العبارات توهينا وجرحا بإجماع أهل الجرح والتعديل : وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في تاريخه : عنده عجائب وهذه أيضا من أوهن العبارات ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم إمام هذا الفن : قال أبي : كان عبد الوهاب يكذب . قال : وحدث بأحاديث كثيرة موضوعة فخرجت إليه فقلت له : ألا تخاف الله عز وجل فضمن لي أن لا يحدث فحدث بها بعد ذلك . وأقوال أئمة هذا الفن فيه بنحو ما ذكرته مشهورة ، وإنما بسطت الكلام في هذا الرجل ; لأن مدار الحديث عليه ومدار مذهبهم عليه ; فأردت إيضاح الحديث وراويه فقد يقال : لا يقبل الجرح إلا مفسرا ففسرته ; وأما nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش فمتفق على ضعفه في روايته عن الحجازيين واختلف في قبول روايته عن الشاميين ، وقد روي هذا الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ومعلوم أنه حجازي فلا يحتج به ولو لم يكن في الحديث سبب آخر يضعفه ; وكيف وفيه عبد الوهاب الذي حاله ما وصفناه ، وأما قياسهم على سائر النجاسات فلا يلتفت إليه مع هذه السنن الصحيحة المتظاهرة على مخالفته . فإن قال قائل منهم : حديثكم رواه nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة وقد أفتى بغسله ثلاثا . فالجواب من وجهين : ( أحسنهما ) : أن هذا ليس بثابت عنه فلم يقبل دعوى من نسبه إليه ، بل قد نقل nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عنه وجوب الغسل سبعا كما قدمناه . وقد علم كل منصف ممن له أدنى عناية أن nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر إمام هذا الفن أعني نقل مذاهب العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، وأن معول الطوائف في نقل المذاهب عليه .
( الجواب الثاني ) : أن عمل الراوي وفتواه بخلاف حديث رواه ليس بقادح في صحته ، ولا مانع من الاحتجاج به عند الجمهور من الفقهاء والمحدثين والأصوليين ، وإنما يرجع إلى قول الراوي عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي [ ص: 600 ] وغيره من المحققين إذا كان قوله تفسيرا للحديث ليس مخالفا لظاهره ، ومعلوم أن هذا لا يجيء في مسألتنا ، فكيف نجعل السبع ثلاثا ؟ وأما الجواب عما احتج به nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وهو أن المراد اغسلوه سبع مرار إحداهن بماء وتراب فيكون التراب مع الماء بمنزلة الغسلتين ، وهذا التأويل محتمل فيقال به للجمع بين الروايات ، فإن الروايات المشهورة سبع مرات فإذا أمكن حمل هذه الرواية على موافقتها صرنا إليه ، وأما الجواب عما احتج به الأوزاعي ومالك فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على الأمر بإراقته وإتلافه فوجب العمل به والله أعلم .