الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
14450 6297 - (14864) - (3 \ 358 - 359) عن جابر بن عبد الله ، قال : فقدت جملي ليلة ، فمررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشد لعائشة ، قال : فقال لي : "ما لك يا جابر ؟ " ، قال : قلت : فقدت جملي - أو ذهب جملي - في ليلة ظلماء . قال : فقال لي : "هذا جملك ، اذهب فخذه " . قال : فذهبت نحوا مما قال لي ، فلم أجده ، قال : فرجعت إليه ، فقلت : يا نبي الله ! ما وجدته . قال : فقال لي : "هذا جملك ، اذهب فخذه " ، قال : فذهبت نحوا مما قال لي ، فلم أجده ، قال :

[ ص: 164 ] فرجعت إليه ، فقلت : بأبي وأمي يا نبي الله ! لا والله ما وجدته . قال : فقال لي : "على رسلك " ، حتى إذا فرغ ، أخذ بيدي ، فانطلق بي حتى أتينا الجمل ، فدفعه إلي ، قال : "هذا جملك " . قال : وقد سار الناس .

قال : فبينما أنا أسير على جملي في عقبتي ، قال : وكان جملا فيه قطاف ، قال : قلت : يا لهف أمي ! إن يكون لي إلا جمل قطوف ! قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدي يسير ، قال : فسمع ما قلت ، قال : فلحق بي ، فقال : "ما قلت يا جابر قبل ؟ " ، قال : فنسيت ما قلت ، قال : قلت : ما قلت شيئا يا نبي الله . قال : فذكرت ما قلت ، قال : قلت : يا نبي الله : يا لهفاه إن يكون لي إلا جمل قطوف ! قال : فضرب النبي صلى الله عليه وسلم عجز الجمل بسوط ، أو بسوطي ، قال : فانطلق أوضع - أو أسرع - جمل ركبته قط ، وهو ينازعني خطامه .

قال : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنت بائعي جملك هذا ؟ " ، قال : قلت : نعم . قال : "بكم ؟ " ، قال : قلت : بوقية . قال : قال لي : "بخ بخ ، كم في أوقية من ناضح وناضح ! " . قال : قلت : يا نبي الله ! ما بالمدينة ناضح أحب أنه لنا مكانه . قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "قد أخذته بوقية " . قال : فنزلت عن الرحل إلى الأرض ، قال : ما "شأنك ؟ " ، قال : قلت : جملك . قال : قال لي : "اركب جملك " . قال : قلت : ما هو بجملي ، ولكنه جملك . قال : كنا نراجعه مرتين في الأمر إذا أمرنا به ، فإذا أمرنا الثالثة ، لم نراجعه . قال : فركبت الجمل حتى أتيت عمتي بالمدينة . قال : وقلت لها : ألم تري أني بعت ناضحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوقية ؟ قال : فما رأيتها أعجبها ذلك ، قال : وكان ناضحا فارها ، قال : ثم أخذت شيئا من خبط أوجرته إياه ، ثم أخذت بخطامه ، فقدته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاوما رجلا يكلمه ، قال : قلت : دونك يا نبي الله جملك . قال : فأخذ بخطامه ، ثم نادى بلالا ، فقال : "زن لجابر أوقية وأوفه " ، فانطلقت مع بلال فوزن لي أوقية ، وأوفاني الوزن ، قال : فرجعت إلى

[ ص: 165 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يحدث ذلك الرجل ، قال : قلت له : قد وزن لي أوقية وأوفاني ، قال : فبينما هو كذلك ، إذ ذهبت إلى بيتي ولا أشعر . قال : فنادى : "أين جابر ؟ " ، قالوا : ذهب إلى أهله ، قال : "أدرك ، ائتني به " ، قال : فأتاني رسوله يسعى ، قال : يا جابر ، يدعوك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأتيته ، فقال : "خذ جملك " ، قلت : ما هو جملي ، وإنما هو جملك يا رسول الله . قال : "خذ جملك " ، قلت : ما هو جملي ، إنما هو جملك يا رسول الله . قال : "خذ جملك " ، قال : فأخذته . قال : فقال : "لعمري ما نفعناك لننزلك عنه " ، قال : فجئت إلى عمتي بالناضح معي وبالوقية . قال : فقلت لها : ما ترين ، رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني أوقية ، ورد علي جملي ؟ ! .


التالي السابق


* قوله : "وكان جملا " : أي : كان جملي جملا .

* "فيه قطاف " : - بكسر القاف - : البطء في السير .

* "إن يكون " : - بكسر - "إن" على أنها نافية .

*" أوضع" بمعنى أسرع .

* "كم في أوقية من ناضح وناضح " : أي : كم من ناضح وناضح في أوقية ! قاله استكثارا لثمنه ، وأن الأوقية تصلح أن تكون ثمنا لناضحين وأكثر .

* "أحب " : بصيغة المتكلم : بيان أنه ليس كل ناضح مثله ، فلا يقاس ثمنه به .

* "فارها " : من الفروهة بمعنى الحذاقة ، يقال : فره في الأمر ; ككرم : إذا حذق .

* "فقدته " : من القود .

[ ص: 166 ] * "وأوفه " : لا يدل على الزيادة ، لكن قد جاء ما يدل على الزيادة .

* "لعمري " : لعله حلف به قبل النهي ، أو قاله على عادة العرب بلا قصد ، أو هو بتقدير خالق عمري ، أو مالكه .

* "ما نفعناك " : أي : ما أعطيناك من الثمن .

* "لننزلك " : من الإنزال أو التنزيل .

* "عنه " : أي : عن الجمل ; أي : ما قصدنا أن نأخذ منك الجمل بالثمن ، بل أعطيناك الثمن مراعاة .

* * *




الخدمات العلمية