nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=113وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=114قال نعم وإنكم لمن المقربين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=115قالوا ياموسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=113nindex.php?page=treesubj&link=28978_33952وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين أي : وجاء
فرعون السحرة الذين حشرهم له أعوانه وشرطته ، ولم يذكر الكتاب الحكيم ولا الرسول المعصوم عددهم ؛ إذ لا فائدة منه ، وكل ما روي فيهم من أنهم عشرات الألوف فهو من الإسرائيليات التي لا أصل لها عندنا ، ولا في التوراة التي بين أيديهم ، فلما جاءوا قالوا
لفرعون إن لنا لأجرا عظيما يكافئ ما يطلب منا من العمل العظيم إن كنا نحن الغالبين
لموسى ، ذكر قولهم هنا بأسلوب الاستئناف البياني كأنه جواب سائل ماذا قالوا ؟ وجاء في سورة الشعراء بصيغة الشرط والجزاء :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=41فلما جاء السحرة قالوا لفرعون ( 26 : 41 ) وهو تفنن في العبارة ، قرأ
ابن كثير ونافع وحفص ، عن
عاصم إن لنا لأجرا بهمزة واحدة ، قيل : إنه على الإخبار الدال على إيجاب الأجر ، وكونه لا بد منه ، وقيل : إنه على حذف همزة الاستفهام الذي يكثر في كلام العرب ، وهو المتبادر والمختار ليوافق قراءة
ابن عامر بإثباتها هنا وهو ما اتفقوا عليه في سورة الشعراء .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=114قال نعم وإنكم لمن المقربين أي : قال
فرعون مجيبا لهم إلى ما طلبوا : نعم ؛ إن لكم لأجرا
[ ص: 56 ] عظيما وإنكم مع ذلك الأجر المالي والمادي لمن المقربين من جانبنا السامي ، فيجتمع لكم المال والجاه ، وذلك منتهى الدنيا ومجدها ، أكد لهم نيل ما طلبوه منه ، وما زادهم عليه تأكيدا بعد تأكيد ؛ لاهتمامه بهذا الأمر ، وخوفهم من عاقبته ، فإنه لو قال لهم : نعم ، ولم يزد عليها ؛ لأفاد إجابة طلبهم ، ولو قال في منحة القربى : وتكونون من المقربين ، لكفى ، ولكنه عبر عنها بالجملة الاسمية المؤكدة بـ ( إن ) وبتحلية الخبر باللام ، وبعطف التلقين ؛ أي عطف : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=114وإنكم لمن المقربين " على الجملة المقدرة التي دل عليها حرف الإيجاب " نعم " وهي " إن لكم لأجرا " الحالة وهي كونكم أنتم الغالبين دون
موسى nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=114لمن المقربين ( 26 : 42 ) وحذفها من هذه السورة دليل على أنه قالها مرة دون أخرى فأفاد أنه كرر لهم الإجابة والوعد وذلك تأكيد آخر .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=115قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين استئناف بياني كنظائره ؛ أي : قال السحرة
لموسى عليه السلام بعد أن وعدهم
فرعون ما وعدهم : إما أن تلقي ما عندك أولا ، وإما أن نكون نحن الملقين لما عندنا من دونك ، أما تخييرهم إياه فلثقتهم بأنفسهم ، واعتدادهم بسحرهم ، وإرهابا له ، وإظهارا لعدم المبالاة به ، مع العلم بأن المتأخر يكون أبصر بما يقتضيه الحال بعد وقوفه على منتهى شوط خصمه ، وما قيل من أن علة التخيير مراعاة الأدب لا وجه له ألبتة ، بل مقامهم بحضرة ملكهم الذي يدعي الألوهية والربوبية فيهم ، وما طلبوه منه ، وما وعدهم إياه - كله يقتضي أن يحتقروا خصمه لا أن يتأدبوا معه كما يتأدب أهل الصناعة الواحدة بعضهم مع بعض إذا تلاقوا للمباراة ، وهو ما وجه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري به التعليل ، وما قاله
البيضاوي وغيره من أن علته إظهار التجلد فضعيف ، إذ لم يروا من
موسى شيئا بأعينهم يقتضيه ، وإنما سمعوا أنه ألقى عصاه بحضرة
فرعون فصارت ثعبانا فاستعدوا لمقابلته بعصي وحبال كثيرة يخيل إليه وإلى كل ناظر أنها ثعابين تسعى فيبطلون سحره بسحر مثله كما قال ملكهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=58فلنأتينك بسحر مثله ( 20 : 58 ) .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ومن تبعه إلى أن هذا التغيير عن إلقائهم يدل على رغبتهم في البدء بما ينبئ عنه تغييرهم للنظم بتعريف الخبر وتوسيط ضمير الفصل " نحن " وتوكيد الضمير المستتر به ، وفي سورة طه :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=65إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ( 20 : 65 ) وفيه من التوكيد ما يدل على الرغبة في الأولية التي صرحوا بذكرها هنا فلا فرق بين التعبيرين في المعنى ، فلا بأس حينئذ بجعل الاختلاف اللفظي في الحكاية عنهم لمراعاة الفواصل ، وقد اختلف فيه على أقوال " ثالثها " وهو الصحيح المعتمد : أنه جائز وواقع فيما لا يخل بأداء المعنى ، ولا ينافي البلاغة العليا ، فكيف إذا كان مزيد تفنن قد يصل إلى حد الإعجاز فيها ، وذلك أن تأدية دقائق المعنى مكررة بألفاظ مختلفة في منتهى العسر ، وكثيرا ما يكون متعذرا ، فلو لم يؤكد
[ ص: 57 ] الضمير المتصل هاهنا بالضمير المنفصل " نحن " لما أفاد معنى الرغبة في أولية الإلقاء المصرح به في سورة طه ، وبذلك علم أن مراعاة الفاصلتين في الموضعين هو الذي وحد بينهما بجعل كل منهما دالا على رغبة السحرة في التقدم والأولية ، فأي خطيب أو كاتب يقدر على إفادة هذا المعنى بأسلوبين مختلفين في اللفظ من غير تصريح به ، وأي مترجم تركي أو إفرنجي يفقه هذا ويؤديه في ترجمته للقرآن ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116قال ألقوا وفي سورة طه :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66قال بل ألقوا ( 20 : 66 ) وهو أدل على رغبته عليه السلام في سبقهم للإلقاء ، ولعله نطق أولا بما فيه الإضراب فقال : بل ألقوا أنتم من دوني ثم أعاد كلمة ( ألقوا ) وحدها ؛ لتأكيد رغبته ، والإيذان بعدم مبالاته ، وفي سورتي يونس والشعراء :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=80قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ، فأظهر اسم
موسى الذي أضمره هنا ، وفي سورة طه ؛ لأنه جواب لخطابهم إياه باسمه بالتخيير ، فالمقام فيها مقام الإضمار حتما ، وأما إظهاره في سورتي يونس والشعراء فسببه أنه ليس فيهما ذكر لنداء السحرة إياه وتخييرهم له ، فأول آية يونس :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=80فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ( 10 : 80 ) وقبلها
nindex.php?page=treesubj&link=33952طلب فرعون للسحرة ، ومجيئهم وسؤالهم إياه الأجر إن كانوا هم الغالبين ، وإجابته إياهم ، فهي أولى من آية يونس بما ذكر ، وأما زيادة
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=80ما أنتم ملقون فإنها فائدة نافلة ذات شأن تدل على عدم مبالاته بما يلقون مهما عظم أمره وكان مجهولا عنده ، وهي لا تنافي عدم ذكرها في آية الأعراف فيجمع بينهما .
وقد قيل : كيف أمرهم
موسى عليه السلام بإلقاء ما عندهم وهو من السحر المنكر ؟ وأجيب بأنه لم يأمر بفعل السحر ابتداء ، وإنما أمر بأن يتقدموه فيما جاءوا لأجله ولا بد لهم منه ، وأراد التوسل به إلى إظهار بطلان السحر لا إثباته ، وإلى بناء ثبوت الحق على بطلانه ، ولم يكن ثم وسيلة لإبطاله إلا ذلك ، وقد صرح به فيما حكاه تعالى عنه في سورة يونس :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=81قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون ( 10 : 81 ، 82 ) ومثله توسل
إبراهيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى نبينا وآلهما إلى إظهار حقيقة التوحيد لعبدة الكواكب من قومه لما رأى كلا من الكوكب والقمر والشمس بازغا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77قال هذا ربي ( 6 : 77 ) ثم تعقبه بما يدل على كونه لا يصح أن يكون ربا ، وإسماعه إياهم بعد إبطال ربوبيتها ، كلها حقيقة التوحيد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ( 6 : 79 ) .
[ ص: 58 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم أي : فلما ألقوا ما ألقوا من حبالهم وعصيهم كما في سورتي الشعراء وطه سحروا أعين الناس الحاضرين ، ومنهم
موسى عليه السلام ، ففي سورة طه :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ( 20 : 66 ) واسترهبوهم أي : أوقعوا في قلوبهم الرهب والخوف كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=67فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ( 20 : 67 ، 68 ) وأصل الاسترهاب محاولة الإرهاب وطلب وقوعه بأسبابه ، وقد قصدوا ذلك فحصل
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116وجاءوا بسحر عظيم أي : مظهره كبير ، وتأثيره في أعين الناس عظيم . قال الحافظ
ابن كثير : أي ؛ خيلوا إلى الأبصار أن ما فعلوه له حقيقة في الخارج ، ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال . ثم ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا " قال " فأقبلت يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ، ثم ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق أن السحرة كانوا خمسة عشر ألف ساحر ، وأن الحيات التي أظهروها بخيال سحرهم كانت كأمثال الجبال قد ملأت الوادي ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن السحرة كانوا بضعا وثلاثين ألفا ، وعن
القاسم بن أبي بزة 70 ألفا ، وذكر غيره ما هو أعظم من ذلك من المبالغة والتهويل ، ولا يصح شيء من ذلك في خبر مرفوع ، وإنما هي من الإسرائيليات الباطلة المروية عن
اليهود كما تقدم على أنه ليس في توراتهم منها شيء ، وإنما جاء في الفصل السابع من سفر الخروج منها أن
فرعون دعا الحكماء والسحرة " ففعل عرافو
مصر أيضا بسحرهم كذلك : طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين ، ولكن عصا
هارون ابتلعت عصيهم " .
وقد ذكر بعض المفسرين سر صناعتهم في ذلك بما أراه استنباطا علميا لا نقلا تاريخيا ، قال الإمام
الجصاص في أحكام القرآن : قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116سحروا أعين الناس يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم وعصيهم تسعى . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأخبر أن ما ظنوه سعيا منها لم يكن سعيا ، وإنما كان تخيلا ، وقد قيل : إنها كانت عصيا مجوفة قد ملئت زئبقا ، وكذلك الحبال كانت معمولة من أدم ؛ أي : جلد ، محشوة زئبقا ، وقد حفروا قبل ذلك تحت المواضع أسرابا ، وجعلوا أزواجا ملئوها نارا فلما طرحت عليه ، وحمي الزئبق حركها ؛ لأن من شأن الزئبق إذا أصابته النار أن يطير ، فأخبر الله أن ذلك كان مموها على غير حقيقته ، والعرب تقول لضرب من الحلي : مسحور ؛ أي : مموه على من رآه مسحورا به ا هـ .
فعلى هذا يكون سحرهم لأعين الناس عبارة عن هذه الحيلة الصناعية إذا صح خبرها ، ويحتمل أن يكون بحيلة أخرى كإطلاق أبخرة أثرت في الأعين فجعلتها تبصر ذلك أو يجعل العصي والحبال على صورة الحيات ، وتحريكها بمحركات خفية سريعة لا تدركها أبصار الناظرين ، وكانت هذه الأعمال من الصناعات وتسمى السيمياء .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=113وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=114قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=115قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=113nindex.php?page=treesubj&link=28978_33952وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ أَيْ : وَجَاءَ
فِرْعَوْنَ السَّحَرَةُ الَّذِينَ حَشَرَهُمْ لَهُ أَعْوَانُهُ وَشُرْطَتُهُ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْكِتَابُ الْحَكِيمُ وَلَا الرَّسُولُ الْمَعْصُومُ عَدَدَهُمْ ؛ إِذْ لَا فَائِدَةَ مِنْهُ ، وَكُلُّ مَا رُوِيَ فِيهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ عَشَرَاتُ الْأُلُوفِ فَهُوَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا عِنْدَنَا ، وَلَا فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا
لِفِرْعَوْنَ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا عَظِيمًا يُكَافِئُ مَا يُطْلَبُ مِنَّا مِنَ الْعَمَلِ الْعَظِيمِ إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ
لِمُوسَى ، ذُكِرَ قَوْلُهُمْ هُنَا بِأُسْلُوبِ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ كَأَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ مَاذَا قَالُوا ؟ وَجَاءَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=41فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ ( 26 : 41 ) وَهُوَ تَفَنُّنٌ فِي الْعِبَارَةِ ، قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَحَفْصٌ ، عَنْ
عَاصِمٍ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ ، قِيلَ : إِنَّهُ عَلَى الْإِخْبَارِ الدَّالِّ عَلَى إِيجَابِ الْأَجْرِ ، وَكَوْنِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي يَكْثُرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ وَالْمُخْتَارُ لِيُوَافِقَ قِرَاءَةَ
ابْنِ عَامِرٍ بِإِثْبَاتِهَا هُنَا وَهُوَ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=114قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أَيْ : قَالَ
فِرْعَوْنُ مُجِيبًا لَهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا : نَعَمْ ؛ إِنَّ لَكُمْ لَأَجْرًا
[ ص: 56 ] عَظِيمًا وَإِنَّكُمْ مَعَ ذَلِكَ الْأَجْرِ الْمَالِيِّ وَالْمَادِّيِّ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ جَانِبِنَا السَّامِي ، فَيَجْتَمِعُ لَكُمُ الْمَالُ وَالْجَاهُ ، وَذَلِكَ مُنْتَهَى الدُّنْيَا وَمَجْدِهَا ، أَكَّدَ لَهُمْ نَيْلَ مَا طَلَبُوهُ مِنْهُ ، وَمَا زَادَهُمْ عَلَيْهِ تَأْكِيدًا بَعْدَ تَأْكِيدٍ ؛ لِاهْتِمَامِهِ بِهَذَا الْأَمْرِ ، وَخَوْفِهِمْ مِنْ عَاقِبَتِهِ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُمْ : نَعَمْ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا ؛ لَأَفَادَ إِجَابَةَ طَلَبِهِمْ ، وَلَوْ قَالَ فِي مِنْحَةِ الْقُرْبَى : وَتَكُونُونَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، لَكَفَى ، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ بِـ ( إِنَّ ) وَبِتَحْلِيَةِ الْخَبَرِ بِاللَّامِ ، وَبِعَطْفِ التَّلْقِينِ ؛ أَيْ عَطْفِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=114وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ " عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُقَدَّرَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا حَرْفُ الْإِيجَابِ " نَعَمْ " وَهِيَ " إِنَّ لَكُمْ لَأَجْرًا " الْحَالَةُ وَهِيَ كَوْنُكُمْ أَنْتُمُ الْغَالِبِينَ دُونَ
مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=114لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( 26 : 42 ) وَحَذْفُهَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهَا مَرَّةً دُونَ أُخْرَى فَأَفَادَ أَنَّهُ كَرَّرَ لَهُمُ الْإِجَابَةَ وَالْوَعْدَ وَذَلِكَ تَأْكِيدٌ آخَرُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=115قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ كَنَظَائِرِهِ ؛ أَيْ : قَالَ الْسَّحَرَةُ
لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ أَنْ وَعَدَهُمْ
فِرْعَوْنُ مَا وَعَدَهُمْ : إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ مَا عِنْدَكَ أَوَّلًا ، وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ لِمَا عِنْدَنَا مِنْ دُونِكَ ، أَمَّا تَخْيِيرُهُمْ إِيَّاهُ فَلِثِقَتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَاعْتِدَادِهِمْ بِسِحْرِهِمْ ، وَإِرْهَابًا لَهُ ، وَإِظْهَارًا لِعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهِ ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ يَكُونُ أَبْصَرَ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ بَعْدَ وُقُوفِهِ عَلَى مُنْتَهَى شَوْطِ خَصْمِهِ ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ التَّخْيِيرِ مُرَاعَاةُ الْأَدَبِ لَا وَجْهَ لَهُ أَلْبَتَّةَ ، بَلْ مَقَامُهُمْ بِحَضْرَةِ مَلِكِهِمُ الَّذِي يَدَّعِي الْأُلُوهِيَّةَ وَالرُّبُوبِيَّةَ فِيهِمْ ، وَمَا طَلَبُوهُ مِنْهُ ، وَمَا وَعَدَهُمْ إِيَّاهُ - كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَحْتَقِرُوا خَصْمَهُ لَا أَنْ يَتَأَدَّبُوا مَعَهُ كَمَا يَتَأَدَّبُ أَهْلُ الصِّنَاعَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ إِذَا تَلَاقَوْا لِلْمُبَارَاةِ ، وَهُوَ مَا وَجَّهَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ بِهِ التَّعْلِيلَ ، وَمَا قَالَهُ
الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ عِلَّتَهُ إِظْهَارُ التَّجَلُّدِ فَضَعِيفٌ ، إِذْ لَمْ يَرَوْا مِنْ
مُوسَى شَيْئًا بِأَعْيُنِهِمْ يَقْتَضِيهِ ، وَإِنَّمَا سَمِعُوا أَنَّهُ أَلْقَى عَصَاهُ بِحَضْرَةِ
فِرْعَوْنَ فَصَارَتْ ثُعْبَانًا فَاسْتَعَدُّوا لِمُقَابَلَتِهِ بِعِصِيٍّ وَحِبَالٍ كَثِيرَةٍ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ وَإِلَى كُلِّ نَاظِرٍ أَنَّهَا ثَعَابِينُ تَسْعَى فَيُبْطِلُونَ سِحْرَهُ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ كَمَا قَالَ مَلِكُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=58فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ ( 20 : 58 ) .
وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّغْيِيرَ عَنْ إِلْقَائِهِمْ يَدُلُّ عَلَى رَغْبَتِهِمْ فِي الْبَدْءِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْهُ تَغْيِيرُهُمْ لِلنَّظْمِ بِتَعْرِيفِ الْخَبَرِ وَتَوْسِيطِ ضَمِيرِ الْفَصْلِ " نَحْنُ " وَتَوْكِيدِ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ بِهِ ، وَفِي سُورَةِ طَهَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=65إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ( 20 : 65 ) وَفِيهِ مِنَ التَّوْكِيدِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي الْأَوَّلِيَّةِ الَّتِي صَرَّحُوا بِذِكْرِهَا هُنَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْبِيرَيْنِ فِي الْمَعْنَى ، فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ بِجَعْلِ الِاخْتِلَافِ اللَّفْظِيِّ فِي الْحِكَايَةِ عَنْهُمْ لِمُرَاعَاةِ الْفَوَاصِلِ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ " ثَالِثُهَا " وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ : أَنَّهُ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ فِيمَا لَا يَخِلُّ بِأَدَاءِ الْمَعْنَى ، وَلَا يُنَافِي الْبَلَاغَةَ الْعُلْيَا ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مَزِيدَ تَفَنُّنٍ قَدْ يَصِلُ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ فِيهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ تَأْدِيَةَ دَقَائِقِ الْمَعْنَى مُكَرَّرَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي مُنْتَهَى الْعُسْرِ ، وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ مُتَعَذِّرًا ، فَلَوْ لَمْ يُؤَكَّدِ
[ ص: 57 ] الضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ هَاهُنَا بِالضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ " نَحْنُ " لَمَا أَفَادَ مَعْنَى الرَّغْبَةِ فِي أَوَّلِيَّةِ الْإِلْقَاءِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي سُورَةِ طَهَ ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مُرَاعَاةَ الْفَاصِلَتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ الَّذِي وَحَّدَ بَيْنَهُمَا بِجَعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا دَالًّا عَلَى رَغْبَةِ السَّحَرَةِ فِي التَّقَدُّمِ وَالْأَوَّلِيَّةِ ، فَأَيُّ خَطِيبٍ أَوْ كَاتِبٍ يَقْدِرُ عَلَى إِفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى بِأُسْلُوبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِهِ ، وَأَيُّ مُتَرْجِمٍ تُرْكِيٍّ أَوْ إِفْرِنْجِيٍّ يَفْقَهُ هَذَا وَيُؤَدِّيهِ فِي تَرْجَمَتِهِ لِلْقُرْآنِ ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116قَالَ أَلْقُوا وَفِي سُورَةِ طَهَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66قَالَ بَلْ أَلْقُوا ( 20 : 66 ) وَهُوَ أَدَلُّ عَلَى رَغْبَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سَبْقِهِمْ لِلْإِلْقَاءِ ، وَلَعَلَّهُ نَطَقَ أَوَّلًا بِمَا فِيهِ الْإِضْرَابُ فَقَالَ : بَلْ أَلْقُوا أَنْتُمْ مِنْ دُونِي ثُمَّ أَعَادَ كَلِمَةً ( أَلْقُوا ) وَحْدَهَا ؛ لِتَأْكِيدِ رَغْبَتِهِ ، وَالْإِيذَانِ بِعَدَمِ مُبَالَاتِهِ ، وَفِي سُورَتَيْ يُونُسَ وَالشُّعَرَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=80قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ ، فَأَظْهَرَ اسْمَ
مُوسَى الَّذِي أَضْمَرَهُ هُنَا ، وَفِي سُورَةِ طَهَ ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِخِطَابِهِمْ إِيَّاهُ بِاسْمِهِ بِالتَّخْيِيرِ ، فَالْمَقَامُ فِيهَا مَقَامُ الْإِضْمَارِ حَتْمًا ، وَأَمَّا إِظْهَارُهُ فِي سُورَتَيْ يُونُسَ وَالشُّعَرَاءِ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرٌ لِنِدَاءِ السَّحَرَةِ إِيَّاهُ وَتَخْيِيرِهِمْ لَهُ ، فَأَوَّلُ آيَةِ يُونُسَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=80فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا ( 10 : 80 ) وَقَبْلَهَا
nindex.php?page=treesubj&link=33952طَلَبُ فِرْعَوْنَ لِلسَّحَرَةِ ، وَمَجِيئُهُمْ وَسُؤَالُهُمْ إِيَّاهُ الْأَجْرَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ، وَإِجَابَتُهُ إِيَّاهُمْ ، فَهِيَ أَوْلَى مِنْ آيَةِ يُونُسَ بِمَا ذَكَرَ ، وَأَمَّا زِيَادَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=80مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَإِنَّهَا فَائِدَةٌ نَافِلَةٌ ذَاتُ شَأْنٍ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِمَا يُلْقُونَ مَهْمَا عَظُمَ أَمْرُهُ وَكَانَ مَجْهُولًا عِنْدَهُ ، وَهِيَ لَا تُنَافِي عَدَمَ ذِكْرِهَا فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا .
وَقَدْ قِيلَ : كَيْفَ أَمَرَهُمْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِلْقَاءِ مَا عِنْدَهُمْ وَهُوَ مِنَ السِّحْرِ الْمُنْكَرِ ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِفِعْلِ السِّحْرِ ابْتِدَاءً ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِأَنْ يَتَقَدَّمُوهُ فِيمَا جَاءُوا لِأَجْلِهِ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ ، وَأَرَادَ التَّوَسُّلَ بِهِ إِلَى إِظْهَارِ بُطْلَانِ السِّحْرِ لَا إِثْبَاتِهِ ، وَإِلَى بِنَاءِ ثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَى بُطْلَانِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَسِيلَةٌ لِإِبْطَالِهِ إِلَّا ذَلِكَ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيمَا حَكَاهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=81قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ( 10 : 81 ، 82 ) وَمِثْلُهُ تَوَسُّلُ
إِبْرَاهِيمَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَآلِهِمَا إِلَى إِظْهَارِ حَقِيقَةِ التَّوْحِيدِ لِعَبَدَةِ الْكَوَاكِبِ مِنْ قَوْمِهِ لَمَّا رَأَى كُلًّا مِنَ الْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ بَازِغًا
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=77قَالَ هَذَا رَبِّي ( 6 : 77 ) ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ رَبًّا ، وَإِسْمَاعُهُ إِيَّاهُمْ بَعْدَ إِبْطَالِ رُبُوبِيَّتِهَا ، كُلُّهَا حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( 6 : 79 ) .
[ ص: 58 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ أَيْ : فَلَمَّا أَلْقَوْا مَا أَلْقَوْا مِنْ حِبَالِهِمْ وَعِصِيِّهِمْ كَمَا فِي سُورَتَيِ الشُّعَرَاءِ وَطَهَ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ الْحَاضِرِينَ ، وَمِنْهُمْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَفِي سُورَةِ طَهَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ( 20 : 66 ) وَاسْتَرْهَبُوهُمْ أَيْ : أَوْقَعُوا فِي قُلُوبِهِمُ الرَّهْبَ وَالْخَوْفَ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=67فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ( 20 : 67 ، 68 ) وَأَصْلُ الِاسْتِرْهَابِ مُحَاوَلَةُ الْإِرْهَابِ وَطَلَبُ وُقُوعِهِ بِأَسْبَابِهِ ، وَقَدْ قَصَدُوا ذَلِكَ فَحَصَلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ أَيْ : مَظْهَرُهُ كَبِيرٌ ، وَتَأْثِيرُهُ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ عَظِيمٌ . قَالَ الْحَافِظُ
ابْنُ كَثِيرٍ : أَيْ ؛ خَيَّلُوا إِلَى الْأَبْصَارِ أَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَارِجِ ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا مُجَرَّدَ صَنْعَةٍ وَخَيَالٍ . ثُمَّ ذُكِرَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُمْ أَلْقَوْا حِبَالًا غِلَاظًا وَخَشَبًا طِوَالًا " قَالَ " فَأَقْبَلَتْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَاحِرٍ ، وَأَنَّ الْحَيَّاتِ الَّتِي أَظْهَرُوهَا بِخَيَالِ سِحْرِهِمْ كَانَتْ كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ قَدْ مَلَأَتِ الْوَادِي ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ أَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا بِضْعًا وَثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَعَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ 70 أَلْفًا ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّهْوِيلِ ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ مَرْفُوعٍ ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الْبَاطِلَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ
الْيَهُودِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَوْرَاتِهِمْ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا جَاءَ فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنْهَا أَنَّ
فِرْعَوْنَ دَعَا الْحُكَمَاءَ وَالسَّحَرَةَ " فَفَعَلَ عَرَّافُو
مِصْرَ أَيْضًا بِسِحْرِهِمْ كَذَلِكَ : طَرَحُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَصَاهُ فَصَارَتِ الْعِصِيُّ ثَعَابِينَ ، وَلَكِنْ عَصَا
هَارُونَ ابْتَلَعَتْ عِصِيَّهُمْ " .
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ سِرَّ صِنَاعَتِهِمْ فِي ذَلِكَ بِمَا أَرَاهُ اسْتِنْبَاطًا عِلْمِيًّا لَا نَقْلًا تَارِيخِيًّا ، قَالَ الْإِمَامُ
الْجَصَّاصُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=116سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ يَعْنِي مَوَّهُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ تَسْعَى . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=66يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا ظَنُّوهُ سَعْيًا مِنْهَا لَمْ يَكُنْ سَعْيًا ، وَإِنَّمَا كَانَ تَخَيُّلًا ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا كَانَتْ عِصِيًّا مُجَوَّفَةً قَدْ مُلِئَتْ زِئْبَقًا ، وَكَذَلِكَ الْحِبَالُ كَانَتْ مَعْمُولَةً مِنْ أُدْمٍ ؛ أَيْ : جِلْدٍ ، مَحْشُوَّةً زِئْبَقًا ، وَقَدْ حَفَرُوا قَبْلَ ذَلِكَ تَحْتَ الْمَوَاضِعِ أَسْرَابًا ، وَجَعَلُوا أَزْوَاجًا مَلَئُوهَا نَارًا فَلَمَّا طُرِحَتْ عَلَيْهِ ، وَحَمِيَ الزِّئْبَقُ حَرَّكَهَا ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الزِّئْبَقِ إِذَا أَصَابَتْهُ النَّارُ أَنْ يَطِيرَ ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُمَوَّهًا عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهِ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِضَرْبٍ مِنَ الْحُلِيِّ : مَسْحُورٌ ؛ أَيْ : مُمَوَّهٌ عَلَى مَنْ رَآهُ مَسْحُورًا بِهِ ا هـ .
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ سِحْرُهُمْ لِأَعْيُنِ النَّاسِ عِبَارَةً عَنْ هَذِهِ الْحِيلَةِ الصِّنَاعِيَّةِ إِذَا صَحَّ خَبَرُهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِحِيلَةٍ أُخْرَى كَإِطْلَاقِ أَبْخِرَةٍ أَثَّرَتْ فِي الْأَعْيُنِ فَجَعَلَتْهَا تُبْصِرُ ذَلِكَ أَوْ يَجْعَلُ الْعِصِيَّ وَالْحِبَالَ عَلَى صُورَةِ الْحَيَّاتِ ، وَتَحْرِيكَهَا بِمُحَرِّكَاتٍ خَفِيَّةٍ سَرِيعَةٍ لَا تُدْرِكُهَا أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَعْمَالُ مِنَ الصِّنَاعَاتِ وَتُسَمَّى السِّيمِيَاءَ .