القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28973_31818تأويل قوله تعالى ذكره ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ( 35 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل العربية في تأويل قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين "
فقال بعض نحويي الكوفيين : تأويل ذلك : ولا تقربا هذه الشجرة ، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين . فصار الثاني في موضع جواب الجزاء . وجواب الجزاء يعمل فيه أوله ، كقولك : إن تقم أقم ، فتجزم الثاني بجزم الأول . فكذلك قوله " فتكونا " لما وقعت الفاء في موضع شرط الأول نصب بها ، وصيرت
[ ص: 522 ] بمنزلة " كي " في نصبها الأفعال المستقبلة ، للزومها الاستقبال . إذ كان أصل الجزاء الاستقبال .
وقال بعض نحويي
أهل البصرة : تأويل ذلك : لا يكن منكما قرب هذه الشجرة فأن تكونا من الظالمين . غير أنه زعم أن " أن " غير جائز إظهارها مع " لا " ولكنها مضمرة لا بد منها ، ليصح الكلام بعطف اسم - وهي " أن " - على الاسم . كما غير جائز في قولهم : " عسى أن يفعل " عسى الفعل . ولا في قولك : " ما كان ليفعل " : ما كان لأن يفعل .
وهذا القول الثاني يفسده إجماع جميعهم على تخطئة قول القائل : " سرني تقوم يا هذا " وهو يريد سرني قيامك . فكذلك الواجب أن يكون خطأ على هذا المذهب قول القائل : " لا تقم " إذا كان المعنى : لا يكن منك قيام . وفي إجماع جميعهم على صحة قول القائل : " لا تقم " وفساد قول القائل : " سرني تقوم " بمعنى سرني قيامك الدليل الواضح على فساد دعوى المدعي أن مع " لا " التي في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35ولا تقربا هذه الشجرة " ضمير " أن " وصحة القول الآخر .
وفي قوله " فتكونا من الظالمين " وجهان من التأويل :
أحدهما أن يكون " فتكونا " في نية العطف على قوله " ولا تقربا " فيكون تأويله حينئذ : ولا تقربا هذه الشجرة ولا تكونا من الظالمين . فيكون " فتكونا " حينئذ في معنى الجزم مجزوما بما جزم به " ولا تقربا " كما يقول القائل : لا تكلم عمرا ولا تؤذه ، وكما قال
امرؤ القيس :
فقلت له : صوب ولا تجهدنه فيذرك من أخرى القطاة فتزلق
فجزم " فيذرك " بما جزم به " لا تجهدنه " كأنه كرر النهي .
[ ص: 523 ]
والثاني أن يكون "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35فتكونا من الظالمين " بمعنى جواب النهي . فيكون تأويله حينئذ : لا تقربا هذه الشجرة ، فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين . كما تقول : لا تشتم عمرا فيشتمك ، مجازاة . فيكون " فتكونا " حينئذ في موضع نصب ، إذ كان حرفا عطف على غير شكله ، لما كان في " ولا تقربا " حرف عامل فيه ، ولا يصلح إعادته في " فتكونا " فنصب على ما قد بينت في أول هذه المسألة .
وأما تأويل قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35فتكونا من الظالمين " فإنه يعني به فتكونا من المتعدين إلى غير ما أذن لهم وأبيح لهم فيه ، وإنما عنى بذلك أنكما إن قربتما هذه الشجرة ، كنتما على منهاج من تعدى حدودي ، وعصى أمري ، واستحل محارمي ، لأن الظالمين بعضهم أولياء بعض ، والله ولي المتقين .
nindex.php?page=treesubj&link=25985وأصل " الظلم " في كلام العرب ، وضع الشيء في غير موضعه ، ومنه قول
نابغة بني ذبيان :
إلا أواري لأيا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
فجعل الأرض مظلومة ، لأن الذي حفر فيها النؤي حفر في غير موضع الحفر ، فجعلها مظلومة ، لموضع الحفرة منها في غير موضعها . ومن ذلك قول
ابن قميئة في صفة غيث :
[ ص: 524 ] ظلم البطاح بها انهلال حريصة فصفا النطاف له بعيد المقلع
وظلمه إياه : مجيئه في غير أوانه ، وانصبابه في غير مصبه . ومنه : ظلم الرجل جزوره ، وهو نحره إياه لغير علة . وذلك عند العرب وضع النحر في غير موضعه .
وقد يتفرع الظلم في معان يطول بإحصائها الكتاب ، وسنبينها في أماكنها إذا أتينا عليها إن شاء الله تعالى . وأصل ذلك كله ما وصفنا من وضع الشيء في غير موضعه .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973_31818تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ( 35 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ "
فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : تَأْوِيلُ ذَلِكَ : وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ، فَإِنَّكُمَا إِنْ قَرَبْتُمَاهَا كُنْتُمَا مِنَ الظَّالِمِينَ . فَصَارَ الثَّانِي فِي مَوْضِعِ جَوَابِ الْجَزَاءِ . وَجَوَابُ الْجَزَاءِ يَعْمَلُ فِيهِ أَوَّلُهُ ، كَقَوْلِكَ : إِنْ تَقُمْ أَقُمْ ، فَتَجْزِمُ الثَّانِيَ بِجَزْمِ الْأَوَّلِ . فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ " فَتَكُونَا " لَمَّا وَقَعَتِ الْفَاءُ فِي مَوْضِعِ شَرْطِ الْأَوَّلِ نُصِبَ بِهَا ، وَصُيِّرَتْ
[ ص: 522 ] بِمَنْزِلَةِ " كَيْ " فِي نَصْبِهَا الْأَفْعَالَ الْمُسْتَقْبِلَةَ ، لِلُزُومِهَا الِاسْتِقْبَالَ . إِذْ كَانَ أَصْلُ الْجَزَاءِ الِاسْتِقْبَالَ .
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
أَهْلِ الْبَصْرَةِ : تَأْوِيلُ ذَلِكَ : لَا يَكُنْ مِنْكُمَا قُرْبُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأَنْ تَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ . غَيْرَ أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ " أَنْ " غَيْرُ جَائِزٍ إِظْهَارُهَا مَعَ " لَا " وَلَكِنَّهَا مُضْمَرَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا ، لِيَصِحَّ الْكَلَامُ بِعَطْفِ اسْمٍ - وَهِيَ " أَنْ " - عَلَى الِاسْمِ . كَمَا غَيْرُ جَائِزٍ فِي قَوْلِهِمْ : " عَسَى أَنْ يَفْعَلَ " عَسَى الْفِعْلُ . وَلَا فِي قَوْلِكَ : " مَا كَانَ لِيَفْعَلَ " : مَا كَانَ لِأَنْ يَفْعَلَ .
وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي يُفْسِدُهُ إِجْمَاعُ جَمِيعِهِمْ عَلَى تَخْطِئَةِ قَوْلِ الْقَائِلِ : " سَرَّنِي تَقُومُ يَا هَذَا " وَهُوَ يُرِيدُ سَرَّنِي قِيَامُكَ . فَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ خَطَأً عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ قَوْلُ الْقَائِلِ : " لَا تَقُمْ " إِذَا كَانَ الْمَعْنَى : لَا يَكُنْ مِنْكَ قِيَامٌ . وَفِي إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْقَائِلِ : " لَا تَقُمْ " وَفَسَادِ قَوْلِ الْقَائِلِ : " سَرَّنِي تَقُومُ " بِمَعْنَى سَرَّنِي قِيَامُكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى فَسَادِ دَعْوَى الْمُدَّعِي أَنَّ مَعَ " لَا " الَّتِي فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ " ضَمِيرَ " أَنْ " وَصِحَّةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ .
وَفِي قَوْلِهِ " فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ " وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ :
أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ " فَتَكُونَا " فِي نِيَّةِ الْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ " وَلَا تَقْرَبَا " فَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ حِينَئِذٍ : وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَلَا تَكَونَا مِنَ الظَّالِمِينَ . فَيَكُونُ " فَتَكُونَا " حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْجَزْمِ مَجْزُومًا بِمَا جُزِمَ بِهِ " وَلَا تَقْرَبَا " كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : لَا تُكَلِّمْ عَمْرًا وَلَا تُؤْذِهِ ، وَكَمَا قَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
فُقُلْتُ لَهُ : صَوِّبْ وَلَا تَجْهَدَنَّهُ فَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرَى الْقَطَاةِ فَتَزْلَقِ
فَجَزَمَ " فَيُذْرِكَ " بِمَا جَزَمَ بِهِ " لَا تَجْهَدَنَّهُ " كَأَنَّهُ كَرَّرَ النَّهْيَ .
[ ص: 523 ]
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ " بِمَعْنَى جَوَابِ النَّهْيِ . فَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ حِينَئِذٍ : لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ، فَإِنَّكُمَا إِنْ قَرَبْتُمَاهَا كُنْتُمَا مِنَ الظَّالِمِينَ . كَمَا تَقُولُ : لَا تَشْتُمْ عَمْرًا فَيَشْتُمَكَ ، مُجَازَاةً . فَيَكُونُ " فَتَكُونَا " حِينَئِذٍ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، إِذْ كَانَ حَرْفًا عُطِفَ عَلَى غَيْرِ شَكْلِهِ ، لَمَّا كَانَ فِي " وَلَا تَقْرَبَا " حَرْفٌ عَامِلٌ فِيهِ ، وَلَا يَصْلُحُ إِعَادَتُهُ فِي " فَتَكُونَا " فَنَصَبَ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=35فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ " فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ فَتَكُونَا مِنَ الْمُتَعَدِّينَ إِلَى غَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُمْ وَأُبِيحَ لَهُمْ فِيهِ ، وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّكُمَا إِنْ قَرُبْتُمَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ، كُنْتُمَا عَلَى مِنْهَاجِ مَنْ تَعَدَّى حُدُودِي ، وَعَصَى أَمْرِي ، وَاسْتَحَلَّ مَحَارِمِي ، لِأَنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ .
nindex.php?page=treesubj&link=25985وَأَصْلُ " الظُّلْمِ " فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
نَابِغَةِ بَنِي ذُبْيَانَ :
إِلَّا أُوَارِيَّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ
فَجَعَلَ الْأَرْضَ مَظْلُومَةً ، لِأَنَّ الَّذِي حَفَرَ فِيهَا النُّؤْيَ حَفَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَفْرِ ، فَجَعَلَهَا مَظْلُومَةً ، لِمَوْضِعِ الْحُفْرَةِ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ
ابْنِ قَمِيئَةَ فِي صِفَةِ غَيْثٍ :
[ ص: 524 ] ظَلَمَ الْبِطَاحَ بِهَا انْهِلَالُ حَرِيصَةٍ فَصَفَا النِّطَافُ لَهُ بُعَيْدَ الْمُقْلَعِ
وَظُلْمُهُ إِيَّاهُ : مَجِيئُهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ ، وَانْصِبَابُهُ فِي غَيْرِ مَصَبِّهِ . وَمِنْهُ : ظُلْمُ الرَّجُلِ جَزُورَهُ ، وَهُوَ نَحْرُهُ إِيَّاهُ لِغَيْرِ عِلَّةٍ . وَذَلِكَ عِنْدَ الْعَرَبِ وَضْعُ النَّحْرِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ .
وَقَدْ يَتَفَرَّعُ الظُّلْمُ فِي مَعَانٍ يَطُولُ بِإِحْصَائِهَا الْكِتَابُ ، وَسَنُبَيِّنُهَا فِي أَمَاكِنِهَا إِذَا أَتَيْنَا عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا وَصَفْنَا مِنْ وَضْعِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ .