وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28978قوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145فخذها بقوة فهو مقول قوله مقدر ؛ لأنه أمر
لموسى ، والخطاب قبله للنبي الخاتم عليهما الصلاة والسلام - والمعنى : كتبنا له في الألواح ما ذكر وقلنا له : خذها بقوة - أو وقلنا له : هذه رسالتنا أو وصايانا وأصول شريعتنا وكلياتها فخذها بقوة ؛ أي : حال
[ ص: 166 ] كونك ملتبسا بجد وعزيمة وحزم ، أو أخذا بقوة وعزم ، وذلك أن المراد بها تكوين شعب جديد بتربية جديدة شديدة مخالفة كل المخالفة لما نشأ عليه من الذل والعبودية
لفرعون وقومه ، والإنس بما كانوا عليه من الشرك والوثنية ومفاسدها ، فإذا لم يكن المتولي تربية هؤلاء القوم ، والمرشد لهم صاحب عزيمة قوية وبأس شديد وعزم ثابت ، فإنه يعجز عن سياستهم وتربيتهم ، ويفشل في تنفيذ أمر الله فيهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145وأمر قومك يأخذوا بأحسنها قيل إن ( أحسن ) هنا بمعنى ذي الحسن التام الكامل ، وليس فيه معنى تفضيل شيء على آخر ، وهو ما يعبرون عنه بقولهم : اسم التفضيل على غير بابه - أي : وأمر قومك بالاستمساك والاعتصام بهذه المواعظ والأحكام المفصلة في الألواح التي هي كاملة الحسن ، وقيل : إنه على الأصل فيه من تفضيل بعض المضاف إليه على بعض ، ومنه الحقيقي والاعتباري والإضافي ،
nindex.php?page=treesubj&link=28657فأصول العقائد من الإيمان بالله - تعالى - وتوحيده وتنزيهه أفضل وأشرف من الأحكام العملية ، ولكن لا يصح أن يراد هنا ، قيل : إلا إذا أريد بالأخذ الشروع والابتداء - والأوامر أفضل من النواهي ، ويصح أن تراد في مثل الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=23993اتخاذ الصور والتماثيل ، وكلاهما من الوصايا التي كتبت في الألواح ، وذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=28678_19696الإخلاص لله تعالى في العبادة أمر وجودي يتحلى به العقل ، وتتزكى به النفس ، وترك اتخاذ الصور والتماثيل أمر سلبي محض إذا لم يكن أثرا للإخلاص في العبادة ، وسدا للذريعة فلا قيمة له ، فإنه لم ينه عنه إلا لأنه من ذرائع الشرك ، وإلا فقد يتركه المرء لعدم الداعية ، وإن كان مشركا - والفرض أفضل من النفل ، ولكن ليس في الوصايا العشر نوافل ، ويقال مثله في قولهم : والعزيمة أفضل من الرخصة ، ومثل هذا التعبير قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=55واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ( 39 : 55 ) والمجال فيه أوسع ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=29568القرآن أحسن ما أنزله الله - تعالى - إلى خلقه على ألسنة رسله بإكماله تعالى الدين به ، وبغير ذلك من مزاياه ، والخطاب فيه لأمة الدعوة ؛ أي : للناس كافة ، لأنه معطوف على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=54وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ( 39 : 54 ) ثم إن فيما أنزله فيه العزيمة والرخصة ، وفيه من الندب ما هو أفضل من مقابله كالصدقة بالدين بدل إنظار المعسر به وهو واجب ، وكالعفو في مقابلة القصاص .
nindex.php?page=treesubj&link=28978وقوله - تعالى - : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145سأريكم دار الفاسقين من حكاية خطابه لقوم
موسى بالتبع له ، وإذا وجه الأمر فيما قبله إليه وإليهم ، فهو داخل في مقول القول الذي خوطب به نبينا - صلى الله عليه وسلم - من قصتهم ، والجملة استئناف لبيان عاقبة الذين فسقوا عن أمر الله ، وجحدوا بآياته فلم يأخذوا بأحسنها ، كأنه يقول : إن لم تأخذوا ما آتيناكم بقوة وتتبعوا أحسنه كنتم فاسقين عن أمر ربكم ، فيحل بكم ما حل بالفاسقين من قوم
فرعون الذين أنجاكم الله منهم ونصركم عليهم .
[ ص: 167 ] وسيريكم ما حل بهم بعدكم من الغرق ، أو الفاسقين من سكان البلاد المقدسة والمباركة التي وعدكم إياها ، وسينصركم عليهم بطاعتكم له وأخذكم ميثاقه بقوة .
قال
الحافظ ابن كثير في تفسيرها : أي سترون عاقبة من خالف أمري وخرج عن طاعتي كيف يصير إلى الهلاك والدمار والتباب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : وإنما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145سأريكم دار الفاسقين كما يقول القائل لمن يخاطبه : سأريك غدا ما يصير إليه حال من خالفني - على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره ، ثم نقل معنى ذلك عن
مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ، وقيل : معناه : سأريكم دار الفاسقين - أي : من
أهل الشام - وأعطيكم إياها ، وقيل : منازل قوم
فرعون ، والأول أولى ، والله أعلم ؛ لأن هذا كان بعد انفصال
موسى وقومه عن بلاد
مصر ، وهو خطاب
لبني إسرائيل قبل دخولهم التيه ، والله أعلم اهـ ، ومن مباحث رسم المصحف الإمام أن كلمة ( سأريكم ) زيد فيها واو قبل الراء لئلا تشتبه بـ " سأراكم " إذ كانوا يرسمونها بالياء غير منقوطة ، فالمراد بها ضبط الكلمة كالضمة ، والله أعلم .
والعبرة التي يجب أن يتذكرها ويتدبرها كل قارئ لهذه الآية من وجوه :
( أحدها ) أن
nindex.php?page=treesubj&link=28328الكتاب الإلهي يجب أخذه بقوة وإرادة وجد وعزيمة ؛ لتنفيذ ما هدى إليه من الإصلاح ، وتكوين الأمة تكوينا جديدا صالحا ، ويتأكد ذلك في الرسول المبلغ له ، والداعي إليه والمنفذ له بقوله وعمله ، ليكون لقومه فيه أسوة حسنة ، وتلك سنة الله - تعالى - في سائر الانقلابات والتجديدات الاجتماعية والسياسية ، وإن لم يكن بهداية الدين ، والدين أحوج إلى القوة والعزيمة ؛ لأنه إصلاح للظاهر والباطن جميعا ، وقد أمر الله - تعالى -
بني إسرائيل بما أمر به رسولهم - صلى الله عليه وسلم - من أخذ الكتاب أو ميثاق الكتاب بقوة ، أمرا مقرونا بتهديدهم وتخويفهم من وقوع
جبل الطور بهم ، كما تقدم في سورة البقرة ( 2 : 63 و93 ) وسيأتي مثله في هذه السورة ( الأعراف ) وقد أخذ سلفنا القرآن بقوة فسادوا به جميع الأمم التي كان لها من القوى العددية والحربية والنظامية والمالية والصناعية ما ليس لهم ، وإنما سادوا بالعمل بهدايته كما أراد الله - تعالى - لا بالتغني بقراءته في المحافل ، ولا بالتبرك المحض بالمصحف ، كما يفعل مقلدة الخلف الصالح ، إن من يأخذ القرآن بقوة يكون القرآن حجة له فيسعد به في الدنيا والآخرة ، ومن لا يأخذه بقوة يكون حجة عليه فيشقى بالإعراض عنه ، وهجر هدايته في الدنيا والآخرة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ( 2 : 26و27 ) .
( ثانيها ) أن سبب تخويف
بني إسرائيل عند تبليغهم الميثاق الإلهي بوقوع الجبل بهم ، وأمرهم في تلك الحال أن يأخذوه بقوة ، وهي أن أحكام التوراة التي أخذ عليهم الميثاق بأخذها بقوة شاقة حرجة ، وحكمة ما فيها من الشدة والحرج أن القوم كانوا مستضعفين مستذلين باستعباد المصريين لهم منذ أجيال كثيرة ، وكان القوم أو الأقوام الذين وعدوا بأن يغلبوهم
[ ص: 168 ] على بلادهم جبارين أولي قوة وأولي بأس شديد ، وكان من سنة الله - تعالى - في البشر أن تتربى أفرادهم وشعوبهم بالشدة والارتياض بالصبر ، والجهاد بالمال والنفس ، ولهذا أمر الله - تعالى -
موسى - عليه السلام - أن يسير
ببني إسرائيل في طريق التيه وهو الجنوبي من برية
سيناء دون الطريق الشمالي القريب من مدن
فلسطين إذ لم يكن لهم طاقة بقتال جباري
الكنعانيين وقتئذ ، فكتب الله - تعالى - عليهم التيه أربعين سنة ملك في أثنائها الذين استذلهم المصريون ، ونشأ من صغارهم ومواليدهم جيل جديد تربى في حجر الشرع الجديد ، والتيه الشديد ، كما بيناه في تفسير سورة المائدة ( ص 274 - 279 ج6 تفسير ط الهيئة ) .
( ثالثها ) أن
الإسرائيليين قد عظم ملكهم بإقامة شريعتهم بقوة ، حتى إذا غلب الغرور على العمل ، وظنوا أن الله ينصرهم ويؤيدهم لنسبهم ولقبهم وهو " شعب الله " فسقوا وظلموا ، فأنزل الله بهم البلاء ، وسلط عليهم
البابليين الأقوياء ، فثلوا عرشهم وتبروا ملكهم ، ثم ثابوا إلى رشدهم ، فرحمهم الله ، وأعاد لهم بعض ملكهم وعزهم ، ثم ظلموا وأفسدوا فسلط عليهم
النصارى فمزقوهم كل ممزق ، فظلوا عدة قرون متكلين على
المسيح الموعود ليعيد لهم ملكهم بخوارق العادات ، ثم ربتهم الشدائد ، ونورهم العلم العصري فطفقوا يستعدون لاستعادة هذا الملك بكل ما في الإمكان من الأسباب ، وفي مقدمتها المال والنظام والكيد والدهاء مع المحافظة على التقاليد الدينية في ذلك ، حتى انتهى بهم السعي إلى استخدام الدولة البريطانية بما فصلناه في بيان العبرة في قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=137وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ( 7 : 137 ) .
( رابعها ) أن المسلمين الذين اتبعوا سننهم وسنن
النصارى شبرا بشبر ، وذراعا بذراع في الضر دون النفع كما فصلناه في غير هذا الموضع - قد اغتروا بدينهم كما اغتروا ، واتكلوا على لقب " الإسلام " ولقب " أمة خاتم الرسل " - صلى الله عليه وسلم - ولكنهم لما يثوبوا إلى رشدهم ؛ لأن الذين سلبوا ملكهم وعزهم لم يسوسوهم بشدة مريبة كافية ، بل اجتهدوا في إفساد عقائدهم وأخلاقهم ، وإيقاع الشقاق والتفريق فيما بينهم ، بل أفسدوا كذلك من لم يستولوا على ملكهم منهم ، بتوليهم التربية والتعليم لكثيرين منهم ، كانوا عونا لهم على ما يريدون من ثل عروشهم ، والسيادة عليهم بالتدريج كالعثمانيين والمصريين - كما فصلناه في مواضع أخرى - ولا يزال هؤلاء المتفرنجون المخربون يجدون في قتل هذه الأمة ، وهم يظنون أنهم يجددون ، ويفسدون عليها أمرها ، ويحسبون أنهم يصلحون
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ( 2 : 12 ) .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28978قَوْلُهُ - تَعَالَى - : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ فَهُوَ مَقُولُ قَوْلِهِ مُقَدَّرٌ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ
لِمُوسَى ، وَالْخِطَابُ قَبْلَهُ لِلنَّبِيِّ الْخَاتَمِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْمَعْنَى : كَتَبَنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مَا ذُكِرَ وَقُلْنَا لَهُ : خُذْهَا بِقُوَّةٍ - أَوْ وَقُلْنَا لَهُ : هَذِهِ رِسَالَتُنَا أَوْ وَصَايَانَا وَأُصُولُ شَرِيعَتِنَا وَكُلِّيَّاتُهَا فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ؛ أَيْ : حَالُ
[ ص: 166 ] كَوْنِكَ مُلْتَبِسًا بِجِدٍّ وَعَزِيمَةٍ وَحَزْمٍ ، أَوْ أَخْذًا بِقُوَّةٍ وَعَزْمٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا تَكْوِينُ شَعْبٍ جَدِيدٍ بِتَرْبِيَةٍ جَدِيدَةٍ شَدِيدَةٍ مُخَالِفَةٍ كُلَّ الْمُخَالَفَةِ لِمَا نَشَأَ عَلَيْهِ مِنَ الذُّلِّ وَالْعُبُودِيَّةِ
لِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ، وَالْإِنْسِ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَمَفَاسِدِهَا ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُتَوَلِّي تَرْبِيَةَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ، وَالْمُرْشِدُ لَهُمْ صَاحِبَ عَزِيمَةٍ قَوِيَّةٍ وَبَأْسٍ شَدِيدٍ وَعَزْمٍ ثَابِتٍ ، فَإِنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ سِيَاسَتِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ ، وَيَفْشَلُ فِي تَنْفِيذِ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145وَأَمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا قِيلَ إِنَّ ( أَحْسَنِ ) هُنَا بِمَعْنَى ذِي الْحُسْنِ التَّامِّ الْكَامِلِ ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى تَفْضِيلِ شَيْءٍ عَلَى آخَرَ ، وَهُوَ مَا يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ : اسْمُ التَّفْضِيلِ عَلَى غَيْرِ بَابِهِ - أَيْ : وَأَمُرْ قَوْمَكَ بِالِاسْتِمْسَاكِ وَالِاعْتِصَامِ بِهَذِهِ الْمَوَاعِظِ وَالْأَحْكَامِ الْمُفَصَّلَةِ فِي الْأَلْوَاحِ الَّتِي هِيَ كَامِلَةُ الْحَسَنِ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ عَلَى الْأَصْلِ فِيهِ مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى بَعْضٍ ، وَمِنْهُ الْحَقِيقِيُّ وَالِاعْتِبَارِيُّ وَالْإِضَافِيُّ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28657فَأُصُولُ الْعَقَائِدِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَتَوْحِيدُهُ وَتَنْزِيهُهُ أَفْضَلُ وَأَشْرَفُ مِنَ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ ، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ هُنَا ، قِيلَ : إِلَّا إِذَا أُرِيدَ بِالْأَخْذِ الشُّرُوعُ وَالِابْتِدَاءُ - وَالْأَوَامِرُ أَفْضَلُ مِنَ النَّوَاهِي ، وَيَصِحُّ أَنْ تُرَادَ فِي مِثْلِ الْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَالنَّهْيِ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=23993اتِّخَاذِ الصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ ، وَكِلَاهُمَا مِنَ الْوَصَايَا الَّتِي كُتِبَتْ فِي الْأَلْوَاحِ ، وَذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28678_19696الْإِخْلَاصَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْعِبَادَةِ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يَتَحَلَّى بِهِ الْعَقْلُ ، وَتَتَزَكَّى بِهِ النَّفْسُ ، وَتَرْكُ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ أَمْرٌ سَلْبِيٌّ مَحْضٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَثَرًا لِلْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ ، وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ فَلَا قِيمَةَ لَهُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ إِلَّا لِأَنَّهُ مِنْ ذَرَائِعِ الشِّرْكِ ، وَإِلَّا فَقَدَ يَتْرُكُهُ الْمَرْءُ لِعَدَمِ الدَّاعِيَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا - وَالْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنَ النَّفْلِ ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْوَصَايَا الْعَشْرِ نَوَافِلُ ، وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِمْ : وَالْعَزِيمَةُ أَفْضَلُ مِنَ الرُّخْصَةِ ، وَمِثْلُ هَذَا التَّعْبِيرِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=55وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلُ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ( 39 : 55 ) وَالْمَجَالُ فِيهِ أَوْسَعُ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29568الْقُرْآنَ أَحْسَنُ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - إِلَى خَلْقِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ بِإِكْمَالِهِ تَعَالَى الدِّينَ بِهِ ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَزَايَاهُ ، وَالْخِطَابُ فِيهِ لِأُمَّةِ الدَّعْوَةِ ؛ أَيْ : لِلنَّاسِ كَافَّةً ، لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=54وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ( 39 : 54 ) ثُمَّ إِنَّ فِيمَا أَنْزَلَهُ فِيهِ الْعَزِيمَةُ وَالرُّخْصَةُ ، وَفِيهِ مِنَ النَّدْبِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ مُقَابِلِهِ كَالصَّدَقَةِ بِالدِّينِ بَدَلَ إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ بِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ ، وَكَالْعَفْوِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِصَاصِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28978وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ مِنْ حِكَايَةِ خِطَابِهِ لِقَوْمِ
مُوسَى بِالتَّبَعِ لَهُ ، وَإِذَا وَجَّهَ الْأَمْرَ فِيمَا قَبْلَهُ إِلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَقُولِ الْقَوْلِ الَّذِي خُوطِبَ بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قِصَّتِهِمْ ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ عَاقِبَةِ الَّذِينَ فَسَقُوا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ ، وَجَحَدُوا بِآيَاتِهِ فَلَمْ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : إِنْ لَمْ تَأْخُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَتَتَّبِعُوا أَحْسَنَهُ كُنْتُمْ فَاسْقِينَ عَنْ أَمْرِ رَبِّكُمْ ، فَيَحِلُّ بِكُمْ مَا حَلَّ بِالْفَاسِقِينَ مِنْ قَوْمِ
فِرْعَوْنَ الَّذِينَ أَنْجَاكُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ .
[ ص: 167 ] وَسَيُرِيكُمْ مَا حَلَّ بِهِمْ بَعْدَكُمْ مِنَ الْغَرَقِ ، أَوِ الْفَاسِقِينَ مِنْ سُكَّانِ الْبِلَادِ الْمُقَدَّسَةِ وَالْمُبَارَكَةِ الَّتِي وَعَدَكُمْ إِيَّاهَا ، وَسَيَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِطَاعَتِكُمْ لَهُ وَأَخْذِكُمْ مِيثَاقَهُ بِقُوَّةٍ .
قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهَا : أَيْ سَتَرَوْنَ عَاقِبَةَ مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَخَرَجَ عَنْ طَاعَتِي كَيْفَ يَصِيرُ إِلَى الْهَلَاكِ وَالدَّمَارِ وَالتَّبَابِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ : وَإِنَّمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِمَنْ يُخَاطِبُهُ : سَأُرِيكَ غَدًا مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُ مَنْ خَالَفَنِي - عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ ، ثُمَّ نَقَلَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ
مُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ : سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ - أَيْ : مِنْ
أَهْلِ الشَّامِ - وَأُعْطِيكُمْ إِيَّاهَا ، وَقِيلَ : مَنَازِلُ قَوْمِ
فِرْعَوْنَ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ انْفِصَالِ
مُوسَى وَقَوْمِهِ عَنْ بِلَادِ
مِصْرَ ، وَهُوَ خِطَابٌ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ دُخُولِهِمُ التِّيهَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ اهـ ، وَمِنْ مَبَاحِثِ رَسْمِ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ أَنَّ كَلِمَةَ ( سَأُرِيكُمْ ) زِيدَ فِيهَا وَاوٌ قَبْلَ الرَّاءِ لِئَلَّا تُشْتَبَهُ بِـ " سَأَرَاكُمْ " إِذْ كَانُوا يَرْسُمُونَهَا بِالْيَاءِ غَيْرَ مَنْقُوطَةٍ ، فَالْمُرَادُ بِهَا ضَبْطُ الْكَلِمَةِ كَالضَّمَّةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْعِبْرَةُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَتَذَكَّرَهَا وَيَتَدَبَّرَهَا كُلُّ قَارِئٍ لِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوهٍ :
( أَحَدُهَا ) أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28328الْكِتَابَ الْإِلَهِيَّ يَجِبُ أَخْذُهُ بِقُوَّةٍ وَإِرَادَةٍ وَجِدٍّ وَعَزِيمَةٍ ؛ لِتَنْفِيذِ مَا هَدَى إِلَيْهِ مِنَ الْإِصْلَاحِ ، وَتَكْوِينِ الْأُمَّةِ تَكْوِينًا جَدِيدًا صَالِحًا ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي الرَّسُولِ الْمُبَلِّغِ لَهُ ، وَالدَّاعِي إِلَيْهِ وَالْمُنَفِّذِ لَهُ بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ ، لِيَكُونَ لِقَوْمِهِ فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، وَتِلْكَ سُنَّةُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي سَائِرِ الِانْقِلَابَاتِ وَالتَّجْدِيدَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِدَايَةِ الدِّينِ ، وَالدِّينُ أَحْوَجُ إِلَى الْقُوَّةِ وَالْعَزِيمَةِ ؛ لِأَنَّهُ إِصْلَاحٌ لِلظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى -
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَخْذِ الْكِتَابِ أَوْ مِيثَاقِ الْكِتَابِ بِقُوَّةٍ ، أَمْرًا مَقْرُونًا بِتَهْدِيدِهِمْ وَتَخْوِيفِهِمْ مِنْ وُقُوعِ
جَبَلِ الطُّورِ بِهِمْ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ( 2 : 63 و93 ) وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ( الْأَعْرَافِ ) وَقَدْ أَخَذَ سَلَفُنَا الْقُرْآنَ بِقُوَّةٍ فَسَادُوا بِهِ جَمِيعَ الْأُمَمِ الَّتِي كَانَ لَهَا مِنَ الْقُوَى الْعَدَدِيَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ وَالنِّظَامِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَالصِّنَاعِيَّةِ مَا لَيْسَ لَهُمْ ، وَإِنَّمَا سَادُوا بِالْعَمَلِ بِهِدَايَتِهِ كَمَا أَرَادَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَا بِالتَّغَنِّي بِقِرَاءَتِهِ فِي الْمَحَافِلِ ، وَلَا بِالتَّبَرُّكِ الْمَحْضِ بِالْمُصْحَفِ ، كَمَا يَفْعَلُ مُقَلِّدَةُ الْخَلَفِ الصَّالِحِ ، إِنَّ مَنْ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ بِقُوَّةٍ يَكُونُ الْقُرْآنُ حُجَّةً لَهُ فَيَسْعَدُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ لَا يَأْخُذُهُ بِقُوَّةٍ يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ فَيَشْقَى بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ ، وَهَجْرِ هِدَايَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 2 : 26و27 ) .
( ثَانِيهَا ) أَنَّ سَبَبَ تَخْوِيفِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ تَبْلِيغِهِمُ الْمِيثَاقَ الْإِلَهِيَّ بِوِقٌوعِ الْجَبَلِ بِهِمْ ، وَأَمْرِهِمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ يَأْخُذُوهُ بِقُوَّةٍ ، وَهِيَ أَنَّ أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ الَّتِي أُخِذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقُ بِأَخْذِهَا بِقُوَّةٍ شَاقَّةٍ حَرِجَةٍ ، وَحِكْمَةُ مَا فِيهَا مِنَ الشِّدَّةِ وَالْحَرَجِ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ مُسْتَذِلِّينَ بِاسْتِعْبَادِ الْمِصْرِيِّينَ لَهُمْ مُنْذُ أَجْيَالٍ كَثِيرَةٍ ، وَكَانَ الْقَوْمُ أَوِ الْأَقْوَامُ الَّذِينَ وُعِدُوا بِأَنْ يَغْلِبُوهُمْ
[ ص: 168 ] عَلَى بِلَادِهِمْ جَبَّارِينَ أُولِي قُوَّةٍ وَأُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ، وَكَانَ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْبَشَرِ أَنْ تَتَرَبَّى أَفْرَادُهُمْ وَشُعُوبُهُمْ بِالشِّدَّةِ وَالِارْتِيَاضِ بِالصَّبْرِ ، وَالْجِهَادِ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى -
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَسِيرَ
بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي طَرِيقِ التِّيهِ وَهُوَ الْجَنُوبِيُّ مِنْ بَرِّيَّةِ
سَيْنَاءَ دُونَ الطَّرِيقِ الشَّمَالِيِّ الْقَرِيبِ مِنْ مُدُنِ
فِلَسْطِينَ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ طَاقَةً بِقِتَالِ جَبَّارِي
الْكَنْعَانِيِّينَ وَقْتَئِذٍ ، فَكَتَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِمُ التِّيهَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَلَكَ فِي أَثْنَائِهَا الَّذِينَ اسْتَذَلَّهُمُ الْمِصْرِيُّونَ ، وَنَشَأَ مِنْ صِغَارِهِمْ وَمَوَالِيدِهِمْ جِيلٌ جَدِيدٌ تَرَبَّى فِي حَجْرِ الشَّرْعِ الْجَدِيدِ ، وَالتِّيهِ الشَّدِيدِ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ ( ص 274 - 279 ج6 تَفْسِيرِ ط الْهَيْئَةِ ) .
( ثَالِثُهَا ) أَنَّ
الْإِسْرَائِيلِيِّينَ قَدْ عَظُمَ مُلْكُهُمْ بِإِقَامَةِ شَرِيعَتِهِمْ بِقُوَّةٍ ، حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْغُرُورُ عَلَى الْعَمَلِ ، وَظَنُّوا أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُمْ لِنَسَبِهِمْ وَلَقَبِهِمْ وَهُوَ " شَعْبُ اللَّهِ " فَسَقُوا وَظَلَمُوا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمُ الْبَلَاءَ ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ
الْبَابِلِيِّينَ الْأَقْوِيَاءَ ، فَثَلُّوا عَرْشَهُمْ وَتَبَّرُوا مُلْكَهُمْ ، ثُمَّ ثَابُوا إِلِى رُشْدِهِمْ ، فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَأَعَادَ لَهُمْ بَعْضَ مُلْكِهِمْ وَعِزِّهِمْ ، ثُمَّ ظَلَمُوا وَأَفْسَدُوا فَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ
النَّصَارَى فَمَزَّقُوهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ، فَظَلُّوا عِدَّةَ قُرُونٍ مُتَّكِلِينَ عَلَى
الْمَسِيحِ الْمَوْعُودِ لِيُعِيدَ لَهُمْ مُلْكَهُمْ بِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ ، ثُمَّ رَبَّتْهُمُ الشَّدَائِدُ ، وَنَوَّرَهُمُ الْعِلْمُ الْعَصْرِيُّ فَطَفِقُوا يَسْتَعِدُّونَ لِاسْتِعَادَةِ هَذَا الْمُلْكِ بِكُلِّ مَا فِي الْإِمْكَانِ مِنَ الْأَسْبَابِ ، وَفِي مُقَدِّمَتِهَا الْمَالُ وَالنِّظَامُ وَالْكَيْدُ وَالدَّهَاءُ مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى التَّقَالِيدِ الدِّينِيَّةِ فِي ذَلِكَ ، حَتَّى انْتَهَى بِهِمُ السَّعْيُ إِلَى اسْتِخْدَامِ الدَّوْلَةِ الْبِرِيطَانِيَّةِ بِمَا فَصَّلْنَاهُ فِي بَيَانِ الْعِبْرَةِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=137وَأَوْرَثَنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ( 7 : 137 ) .
( رَابِعُهَا ) أَنَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا سُنَنَهُمْ وَسُنَنَ
النَّصَارَى شِبْرًا بِشِبْرٍ ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ فِي الضُّرِّ دُونَ النَّفْعِ كَمَا فَصَّلْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ - قَدِ اغْتَرُّوا بِدِينِهِمْ كَمَا اغْتَرُّوا ، وَاتَّكَلُوا عَلَى لَقَبِ " الْإِسْلَامِ " وَلَقَبِ " أُمَّةِ خَاتَمِ الرُّسُلِ " - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا يَثُوبُوا إِلَى رُشْدِهِمْ ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ سَلَبُوا مُلْكَهُمْ وَعِزَّهُمْ لَمْ يَسُوسُوهُمْ بِشِدَّةٍ مُرِيبَةٍ كَافِيَةٍ ، بِلِ اجْتَهَدُوا فِي إِفْسَادِ عَقَائِدِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ ، وَإِيقَاعِ الشِّقَاقِ وَالتَّفْرِيقِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، بَلْ أَفْسَدُوا كَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَسْتَوْلُوا عَلَى مُلْكِهِمْ مِنْهُمْ ، بِتَوَلِّيهِمِ التَّرْبِيَةَ وَالتَّعْلِيمَ لِكَثِيرِينَ مِنْهُمْ ، كَانُوا عَوْنًا لَهُمْ عَلَى مَا يُرِيدُونَ مِنْ ثَلِّ عُرُوشِهِمْ ، وَالسِّيَادَةِ عَلَيْهِمْ بِالتَّدْرِيجِ كَالْعُثْمَانِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ - كَمَا فَصَّلْنَاهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى - وَلَا يَزَالُ هَؤُلَاءِ الْمُتَفَرْنِجُونَ الْمُخَرِّبُونَ يَجِدُّونَ فِي قَتْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يُجَدِّدُونَ ، وَيُفْسِدُونَ عَلَيْهَا أَمْرَهَا ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُصْلِحُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=12أَلَّا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ( 2 : 12 ) .