الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 73 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( nindex.php?page=treesubj&link=1417من وجبت عليه الصلاة فلم يصل حتى فات الوقت لزمه قضاؤها لقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=37462من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها } والمستحب أن يقضيها على الفور للحديث الذي ذكرناه ، فإن أخرها جاز لما روي : " أن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته صلاة الصبح فلم يصلها حتى خرج من الوادي " ولو كانت على الفور لما أخرها . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق إن تركها بغير عذر لزمه قضاؤها على الفور ; لأنه مفرط في التأخير [ وإن فاتته صلوات ] والمستحب أن يقضيها على الترتيب ، { nindex.php?page=hadith&LINKID=29482 ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته أربع صلوات يوم الخندق فقضاها على الترتيب ، } فإن قضاها من غير ترتيب جاز لأنه ترتيب استحق للوقت فسقط بفوات الوقت كقضاء الصوم . وإن ذكر الفائتة وقد ضاق وقت الحاضرة لزمه أن يبدأ بالحاضرة لأن الوقت تعين لها فوجبت البداية بها ، كما لو حضره رمضان وعليه صوم رمضان قبله ولأنه إذا أخر الحاضرة فاتت فوجبت البداية بها ) .
( الشرح ) أما الحديث الأول فصحيح ، ففي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37502من نسي صلاة فليصل إذا ذكر } وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10056إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها } وأما الحديث الثاني ففي الصحيحين عن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين رضي الله عنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=28985كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها فما أيقظنا إلا حر الشمس ، فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم ، فقال : لا ضير ولا ضرر ارتحلوا ، فارتحلوا فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس } وأما حديث فوات أربع صلوات يوم الخندق ، فرواه الترمذي والنسائي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12077أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، وأبو عبيدة لم يسمع أباه فهو حديث منقطع لا يحتج به ، ويغني عنه حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه [ ص: 74 ] { nindex.php?page=hadith&LINKID=39332وأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش ، وقال : يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ، فقال صلى الله عليه وسلم والله ما صليتها ، فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم .
وقوله : البداية لحن عند أهل العربية والصواب البداءة بضم الباء والمد ، والبدأة بفتحها وإسكان الدال بعدها همزة ، والبدوءة بضم الباء والدال بعدها همزة ممدودة ثلاث لغات حكاهن nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري وغيره . أما حكم الفصل ففيه مسألتان ( إحداهما ) nindex.php?page=treesubj&link=1423من لزمه صلاة ففاتته لزمه قضاؤها سواء فاتت بعذر أو بغيره ، فإن كان فواتها بعذر كان قضاؤها على التراخي ويستحب أن يقضيها على الفور قال صاحب التهذيب : وقيل : يجب قضاؤها حين ذكر الحديث ، والذي قطع به الأصحاب أنه يجوز تأخيرها لحديث nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين . وهذا هو المذهب ، وإن فوتها بلا عذر فوجهان كما ذكر المصنف ( أصحهما ) عند العراقيين أنه يستحب القضاء على الفور ، ويجوز التأخير كما لو فاتت بعذر ( وأصحهما ) عند الخراسانيين أنه يجب القضاء على الفور ، وبه قطع جماعات منهم أو أكثرهم . ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه ، وهذا هو الصحيح ; لأنه مفرط بتركها ، ولأنه يقتل بترك الصلاة التي فاتت ، ولو كان القضاء على التراخي لم يقتل .
( فرع ) nindex.php?page=treesubj&link=2527الصوم الفائت من رمضان كالصلاة ، فإن كان معذورا في فواته كالفائت بالحيض والنفاس والمرض والإغماء والسفر فقضاؤه على التراخي ما لم يحضر رمضان السنة القابلة ، وسيأتي تفصيله في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى ، وإن كان متعديا في فواته ففيه الوجهان كالصلاة ، أصحهما عند العراقيين قضاؤه على التراخي ، وأصحهما عند الخراسانيين وبعض العراقيين ، وهو الصواب أنه على الفور ، nindex.php?page=treesubj&link=25524وأما قضاء الحج الفاسد فهل هو على الفور أم التراخي ؟ فيه وجهان مشهوران ، ذكرهما المصنف والأصحاب في موضعهما أصحهما على الفور ; لأنه متعد بالإفساد . وأما الكفارة فإن كانت بغير عدوان ككفارة القتل خطأ وكفارة اليمين في بعض [ ص: 75 ] الصور ، فهي على التراخي بلا خلاف لأنه معذور . وإن كان متعديا فهل هي على الفور أم على التراخي ؟ فيه وجهان حكاهما nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال والأصحاب ( أصحهما ) على الفور . قال nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال هما كالوجهين في قضاء الحج لأن الكفارة كالحج .
( الثانية ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=1420فاته صلاة أو صلوات استحب أن يقدم الفائتة على فريضة الوقت المؤداة وأن يرتب الفوائت فيقضي الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ، وهكذا لحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر وللخروج من خلاف العلماء الذي سنذكره إن شاء الله تعالى في فرع مذاهب العلماء . وإن ترك الترتيب أو قدم المؤداة على المقضية أو قدم المتأخرة على الفوائت جاز لما ذكره المصنف وإن ذكر الفائتة وقد ضاق وقت الحاضرة لزمه تقديم الحاضرة لما ذكره المصنف ولو nindex.php?page=treesubj&link=1420_27067شرع في الحاضرة ثم ذكر الفائتة وهو فيها أتم الحاضرة سواء اتسع الوقت أم ضاق ، لأن الحاضرة لا يجوز الخروج منها وإن اتسع الوقت ، لكن يتمها ثم يقضي الفائتة ، ويستحب أن يعيد الحاضرة ، هكذا صرح جماعة من أصحابنا بهذه المسألة ، منهم الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وصاحب التهذيب والرافعي ولو nindex.php?page=treesubj&link=1420_25354دخل في الفائتة معتقدا أن في الوقت سعة فبان ضيقه وجب قطعها والشروع في الحاضرة على الصحيح من المذهب ، وفي وجه ضعيف يجب إتمام الفائتة ، ولو تذكر فائتة - وهناك جماعة يصلون الحاضرة والوقت متسع استحب أن يصلي الفائتة - أولا منفردا ثم يصلي الحاضرة منفردا أيضا إن لم يدرك جماعة ; لأن الترتيب مختلف في وجوبه ، والقضاء خلف الأداء فيه أيضا خلاف السلف فاستحب الخروج من الخلاف .
( فرع ) في nindex.php?page=treesubj&link=1423مذاهب العلماء في قضاء الفوائت . قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجب ترتيبها ولكن يستحب ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك يجب ما لم تزد الفوائت على صلوات يوم وليلة ، قالا : فإن كانت في حاضرة فذكر في أثنائها أن عليه فائتة بطلت الحاضرة ويجب تقديم الفائتة ثم يصلي الحاضرة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد الترتيب واجب قلت الفوائت أم كثرت . قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ولو نسي الفوائت صحت الصلوات التي يصليها بعدها . قال [ ص: 76 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق : ولو ذكر فائتة وهو في حاضرة تمم التي هو فيها ثم قضى الفائتة ثم يجب إعادة الحاضرة . واحتج لهم بحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37501من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام ، فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام } وهذا حديث ضعيف ضعفه موسى بن هارون الحمال ( بالحاء ) الحافظ . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12013أبو زرعة الرازي ثم nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : الصحيح أنه موقوف ، واحتج أصحابنا بأحاديث ضعيفة أيضا ، والمعتمد في المسألة أنها ديون عليه لا يجب ترتيبها إلا بدليل ظاهر ، وليس لهم دليل ظاهر ولأن من صلاهن بغير ترتيب فقد فعل الصلاة التي أمر بها فلا يلزمه وصف زائد بغير دليل ظاهر والله أعلم .
( فرع ) أجمع العلماء الذين يعتد بهم على أن من nindex.php?page=treesubj&link=1423_23391ترك صلاة عمدا لزمه قضاؤها وخالفهم nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد علي بن حزم فقال : لا يقدر على قضائها أبدا ولا يصح فعلها أبدا قال : بل يكثر من فعل الخير ، وصلاة التطوع ليثقل ميزانه يوم القيامة ويستغفر الله تعالى ويتوب ، وهذا الذي قاله مع أنه مخالف للإجماع باطل من جهة الدليل ، وبسط هو الكلام في الاستدلال له ، وليس فيما ذكر دلالة أصلا . ومما يدل على وجوب القضاء حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=2904أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في نهار رمضان أن يصوم يوما مع الكفارة } أي بدل اليوم الذي أفسده بالجماع عمدا . رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد جيد وروى أبو داود نحوه ، ولأنه إذا وجب القضاء على التارك ناسيا فالعامد أولى .