الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        1512 - حدثنا ابن أبي داود قال : ثنا ابن أبي مريم قال : أنا محمد بن مسلم الطائفي قال : حدثني عمرو بن دينار قال : كان عبد الله بن الزبير يصلي بنا الصبح بمكة فلا يقنت .

                                                        قال أبو جعفر : فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لم يكن يقنت في دهره كله وقد كان المسلمون في قتال عدوهم في كل ولاية عمر ، أو في أكثرها ، فلم يكن يقنت لذلك ، وهذا أبو الدرداء ينكر القنوت ، وابن الزبير لا يفعله ، وقد كان محاربا حينئذ ؛ لأنه لم نعلمه أم الناس إلا في وقت ما كان الأمر صار إليه .

                                                        فقد خالف هؤلاء عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين فيما ذهبوا إليه من القنوت في حال المحاربة بعد ثبوت زوال القنوت في حال عدم المحاربة .

                                                        فلما اختلفوا في ذلك وجب كشف ذلك من طريق النظر لنستخرج من المعنيين معنى صحيحا ، فكان ما روينا عنهم أنهم قنتوا فيه من الصلوات لذلك الصبح والمغرب خلا ما روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 254 ] أنه كان يقنت في صلاة العشاء ، فإن في ذلك محتمل أيضا أن يكون هي المغرب ، ويحتمل أن يكون هي العشاء الآخرة ولم نعلم عن أحد منهم أنه قنت في ظهر ولا عصر في حال حرب ولا غيره .

                                                        فلما كانت هاتان الصلاتان لا قنوت فيهما في حال الحرب وفي حال عدم الحرب ، وكانت الفجر والمغرب والعشاء لا قنوت فيهن في حال عدم الحرب ثبت أن لا قنوت فيهن في حال الحرب أيضا ، وقد رأينا الوتر فيها القنوت عند أكثر الفقهاء في سائر الدهر وعند خاص منهم في ليلة النصف من شهر رمضان خاصة ، فكانوا جميعا إنما يقنتون لتلك الصلاة خاصة لا لحرب ولا لغيره .

                                                        فلما انتفى أن يكون القنوت فيما سواها يجب لعلة الصلاة خاصة لا لعلة غيرها ، انتفى أن يكون يجب لمعنى سوى ذلك .

                                                        فثبت بما ذكرنا أنه لا ينبغي القنوت في الفجر في حال حرب ولا غيره ، قياسا ونظرا على ما ذكرنا من ذلك وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية