الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        1578 - وخالفه في ذلك أيضا عبد الله بن الزبير فروي عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما قد حدثنا محمد بن حميد أبو قرة قال : ثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : أنا ابن لهيعة ، قال حدثني الحارث بن يزيد ، أن أبا أسلم المؤذن حدثه أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول : إن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يتشهد به : باسم الله وبالله خير الأسماء ، التحيات الطيبات ، الصلوات لله ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، اللهم اغفر لي واهدني .

                                                        فكل هؤلاء قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ما ذكرنا عنهم وخالف ما روي عن عمر رضي الله عنه ، فقد تواترت بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم الروايات ، فلم يخالفها شيء ، فلا ينبغي خلافها ولا الأخذ بغيرها ولا الزيادة على شيء مما فيها إلا أن في حديث ابن عباس رضي الله عنهما حرفا يزيد على غيره وهو : المباركات .

                                                        فقال قائلون : هو أولى من حديث غيره ، إذا كان قد زاد عليه ، والزائد أولى من الناقص .

                                                        وقال آخرون : بل حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأبي موسى وابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه عنه مجاهد وابن بابي أولى لاستقامة طرقهم واتفاقهم على ذلك ، لأن أبا الزبير لا يكافئ الأعمش ، ولا منصورا ، ولا مغيرة ولا أشباههم ممن روى حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، ولا يكافئ قتادة في حديث أبي موسى ولا يكافئ أبا بشر في حديث ابن عمر ، ولو وجب الأخذ بما زاد ، وإن كان دونهم لوجب الأخذ بما زاد عن ابن نابل على الليث عن أبي الزبير ، فإنه قد قال في التشهد أيضا : باسم الله ، ولوجب الأخذ بما زاد أبو أسلم عن عبد الله بن الزبير فإنه قد قال في التشهد أيضا : باسم الله ، وزاد أيضا على ما في ذلك من الزيادة على حديث ابن مسعود رضي الله عنهما .

                                                        فلما كانت هذه الزيادة غير مقبولة ؛ لأنه لم يزدها على الليث مثله ، لم يقبل زيادة ابن أبي الزبير في حديث ابن عباس رضي الله عنهما على عطاء بن أبي رباح ؛ لأن ابن جريج رواه عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، موقوفا .

                                                        ورواه أبو الزبير عن سعيد بن جبير ، وطاوس عن ابن عباس رضي الله عنهم مرفوعا ، ولو ثبتت هذه الأحاديث كلها وتكافأت في أسانيدها لكان حديث عبد الله أولاها ، لأنهم قد أجمعوا أنه ليس للرجل أن يتشهد بما شاء من التشهد غير ما روي من ذلك .

                                                        [ ص: 266 ] فلما ثبت أن التشهد بخاص من الذكر ، وكان ما رواه عبد الله قد وافقه عليه كل من رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره . وزاد عليه غيره ما ليس في تشهده ، كان ما قد أجمع عليه من ذلك أولى أن يتشهد به دون الذي اختلف فيه .

                                                        وحجة أخرى أنا قد رأينا عبد الله شدد في ذلك ، حتى أخذ على أصحابه الواو فيه ، كي يوافقوا لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا نعلم غيره فعل ذلك ، فلهذا استحسنا ما روي عن عبد الله دون ما روي عن غيره .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية