الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره ( اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( 8 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "اعدلوا" أيها المؤمنون ، على كل أحد من الناس وليا لكم كان أو عدوا ، فاحملوهم على ما أمرتكم أن تحملوهم عليه من أحكامي ، ولا تجوروا بأحد منهم عنه .

وأما قوله : "هو أقرب للتقوى" فإنه يعني بقوله : "هو" العدل عليهم أقرب لكم أيها المؤمنون إلى التقوى ، يعني : إلى أن تكونوا عند الله باستعمالكم إياه من أهل التقوى ، وهم أهل الخوف والحذر من الله أن يخالفوه في شيء من أمره ، أو يأتوا شيئا من معاصيه .

وإنما وصف جل ثناؤه "العدل" بما وصفه به من أنه "أقرب للتقوى" من الجور ، لأن من كان عادلا كان لله بعدله مطيعا ، ومن كان لله مطيعا ، كان لا شك [ ص: 97 ] من أهل التقوى ، ومن كان جائرا كان لله عاصيا ، ومن كان لله عاصيا ، كان بعيدا من تقواه .

وإنما كنى بقوله : "هو أقرب" عن الفعل . والعرب تكني عن الأفعال إذا كنت عنها ب "هو" وب "ذلك" ، كما قال جل ثناؤه : ( فهو خير لكم ) [ سورة البقرة : 271 ] و ( ذلكم أزكى لكم ) [ سورة البقرة : 232 ] . ولو لم يكن في الكلام "هو" لكان "أقرب" نصبا ، ولقيل : "اعدلوا أقرب للتقوى" ، كما قيل : ( انتهوا خيرا لكم ) [ سورة النساء : 171 ] .

وأما قوله : " واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " ، فإنه يعني : واحذروا أيها المؤمنون ، أن تجوروا في عباده فتجاوزوا فيهم حكمه وقضاءه الذين بين لكم ، فيحل بكم عقوبته ، وتستوجبوا منه أليم نكاله "إن الله خبير بما تعملون" ، يقول : إن الله ذو خبرة وعلم بما تعملون أيها المؤمنون فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، من عمل به أو خلاف له ، محص ذلكم عليكم كله ، حتى يجازيكم به جزاءكم ، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، فاتقوا أن تسيئوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية