الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن في قوله : ( لإلى الله تحشرون ) دقائق :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه لم يقل : تحشرون إلى الله بل قال : لإلى الله تحشرون ، وهذا يفيد الحصر ، معناه إلى الله يحشر العالمون لا إلى غيره ، وهذا يدل على أنه لا حاكم في ذلك اليوم ولا ضار ولا نافع إلا هو ، قال تعالى : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [غافر : 16] وقال تعالى : ( والأمر يومئذ لله ) [الانفطار : 19] .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أنه ذكر من أسماء الله هذا الاسم ، وهذا الاسم أعظم الأسماء وهو دال على كمال الرحمة وكمال القهر ، فهو لدلالته على كمال الرحمة أعظم أنواع الوعد ، ولدلالته على كمال القهر أشد أنواع الوعيد .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : إدخال لام التأكيد في اسم الله حيث قال : ( لإلى الله ) وهذا ينبهك على أن الإلهية تقتضي هذا الحشر والنشر ، كما قال : ( إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ) [طه : 15] .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أن قوله : ( تحشرون ) فعل ما لم يسم فاعله ، مع أن فاعل ذلك الحشر هو الله ، وإنما لم يقع التصريح به لأنه تعالى هو العظيم الكبير الذي ، شهدت العقول بأنه هو الله الذي يبدئ ويعيد ، ومنه الإنشاء والإعادة ، فترك التصريح في مثل هذا الموضع أدل على العظمة ، ونظيره قوله تعالى : ( وقيل ياأرض ابلعي ماءك ) [هود : 44] .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : أنه أضاف حشرهم إلى غيرهم ، وذلك ينبه العقل على أن جميع الخلق مضطرون في قبضة القدرة ونفاذ المشيئة ، فهم سواء كانوا أحياء أم أمواتا لا يخرجون عن قهر الربوبية وكبرياء الإلهية .

                                                                                                                                                                                                                                            وسادسها : أن قوله : ( تحشرون ) خطاب مع الكل ، فهو يدل على أن جميع العالمين يحشرون ويوقفون في عرصة القيامة وبساط العدل ، فيجتمع المظلوم مع الظالم ، والمقتول مع القاتل ، والحق سبحانه وتعالى يحكم بين عبيده بالعدل المبرأ عن الجور ، كما قال : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) [الأنبياء : 47] فمن تأمل في قوله تعالى : ( لإلى الله تحشرون ) وساعده التوفيق علم أن هذه الفوائد التي ذكرناها كالقطرة من بحار الأسرار المودعة في هذه الآية ، وتمسك القاضي بهذه الآية على أن المقتول ليس بميت ، قال : لأن قوله : ( ولئن متم أو قتلتم ) يقتضي عطف المقتول على الميت ، وعطف الشيء على نفسه ممتنع .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية