الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فصل

ينقسم الناقص بانقسام ما مر من التعلق اللفظي بين طرفيه ، فكلما كان التعلق أشد وأكثر كان الوقف أنقص ، وكلما كان أضعف وأوهى كان الوقف أقرب إلى التمام ، والتوسط يوجب التوسط .

فمن وكيد التعلق ما يكون بين توابع الاسمية والفعلية وبين متبوعاتها ; إذا لم يمكن أن يتمحل لها في إعرابها وجه غير الإتباع ، ومن ثم ضعف الوقف على منتصرين من قوله تعالى : وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين وقوم نوح ( الذاريات : 43 - 46 ) فيمن جر غاية الضعف .

وضعف على أثيم من قوله تعالى : ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم ( ن : 10 - 13 ) .

[ ص: 519 ] وضعف على ( به ) من قوله تعالى : سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ( النساء : 123 ) .

وضعف على ( أبدا ) من قوله : ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ( الكهف : 3 و 4 ) .

على أن هذه الطبقة من التعلق قد تنقسم أقساما ; فإنه ليس بين البدل والمبدل منه من التعلق ما بين الصفة والموصوف على ما ذكرناه .

وأوهى من هذا التعلق ما يكون بين الفعل وبين ما ينتصب عنه من الزوائد التي لا يخل حذفها بالكلام كبير إخلال ، كالظرف والتمييز والاستثناء المنقطع ; ولذلك كان الوقف على نحو : عجبا من قوله : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أوى الفتية إلى الكهف ( الكهف : 9 و 10 ) أو هي من الوقوف المذكورة .

فإن وسطت بين التعلق بالمذكور من المتعلق الذي للمفعول أو الحال المخصصة ، أو الاستثناء الذي يتغير بسقوطه المعنى وانتصب ، كان لك في الوقف على نحو : مسغبة من قوله تعالى : أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ( البلد : 14 و 15 ) ، وعلى نحو : قليلا من قوله تعالى : يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين ( النساء : 142 و 143 ) ، وعلى نحو : مصيرا من قوله : مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين ( النساء : 97 و 98 ) ، وعلى نحو ( واحدة ) ، و ( زوجها ) من قوله تعالى : ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ( النساء : 1 ) ، وعلى نحو نذيرا من قوله تعالى : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ( الأحزاب : 45 و 46 ) مرتبة بين المرتبتين المذكورتين .

فهذه ثلاث مراتب للوقف الناقص كما ترى ; بإزاء ثلاث طبقات من التعلق المذكور ، فإن قسمت طبقة من الطبقات انقسمت بإزائها مرتبة من المراتب ; فقد خرج لك بحسب هذه القسمة ، وهي القسمة الصناعية ستة أصناف من الوقف في الكلام : خمسة منها بحسب [ ص: 520 ] الكلام نفسه ، وهي الأتم ، والتام ، والذي يشبه التام ، والناقص المطلق ، والأنقص ، وواحد من جهة المتكلم أو القارئ ، وهو الذي بحسب انقطاع النفس كما سبق عن حمزة .

واعلم أن الوقف في الكلام قد يمكن أن يكون من غير انقطاع نفس ، وإن كان لا شيء من انقطاع النفس إلا ومعه الوقف ، والوقوف أمرها على سبيل الجواز إلا الذي بني عليه الكلام ، وما سواه فعليك منه أن تختار الأفضل فالأفضل ; بشرط أن تطابق به انقطاع نفسك ; لينجذب عند السكت إلى باطنك من الهواء ما تستعين به ثانيا على الكلام الذي تنشئه بإخراجه على الوجه المذكور .

ومما يدعو إلى الوقف في موضع الوقف الترتيل ; فإنه أعون شيء عليه ، وقد أمر الله تعالى به رسوله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ورتل القرآن ترتيلا ( المزمل : 4 ) .

ويدعو إليه اجتناب تكرير اللفظة الواحدة في القرآن تكريرا من غير فصل كما في قوله تعالى : فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق ( الطارق : 5 و 6 ) ، وقوله : لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ( التوبة : 108 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية