القول في تأويل قوله عز ذكره (
nindex.php?page=treesubj&link=28976_28803nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ( 47 ) )
قال
أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : "وليحكم أهل الإنجيل" .
فقرأته قرأة
الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين : "وليحكم " بتسكين "اللام " ، على وجه الأمر من الله لأهل الإنجيل : أن يحكموا بما أنزل الله فيه من أحكامه . وكأن من قرأ ذلك كذلك ، أراد : وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه فيكون في الكلام محذوف ، ترك استغناء بما ذكر عما حذف .
وقرأ ذلك جماعة من
أهل الكوفة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47وليحكم أهل الإنجيل ) بكسر"اللام " ، من "ليحكم " ، بمعنى : كي يحكم أهل الإنجيل . وكأن معنى من قرأ ذلك كذلك : وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، كي يحكم أهله بما فيه من حكم الله .
والذي نقول به في ذلك ، أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، فبأي ذلك قرأ قارئ فمصيب فيه الصواب .
[ ص: 375 ] وذلك أن الله تعالى لم ينزل كتابا على نبي من أنبيائه إلا ليعمل بما فيه أهله الذين أمروا بالعمل بما فيه ، ولم ينزله عليهم إلا وقد أمرهم بالعمل بما فيه ، فللعمل بما فيه أنزله ، وأمرا بالعمل بما فيه أنزله . فكذلك الإنجيل ، إذ كان من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ، فللعمل بما فيه أنزله على
عيسى ، وأمرا بالعمل به أهله أنزله عليه . فسواء قرئ على وجه الأمر بتسكين "اللام " ، أو قرئ على وجه الخبر بكسرها ، لاتفاق معنييهما .
وأما ما ذكر عن
أبي بن كعب من قراءته ذلك ( وأن ليحكم ) على وجه الأمر ، فذلك مما لم يصح به النقل عنه . ولو صح أيضا ، لم يكن في ذلك ما يوجب أن تكون القراءة بخلافه محظورة ، إذ كان معناها صحيحا ، وكان المتقدمون من أئمة القرأة قد قرأوا بها .
وإذ كان الأمر في ذلك على ما بينا ، فتأويل الكلام إذا قرئ بكسر"اللام " من "ليحكم" : وآتينا
عيسى ابن مريم الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ، وكي يحكم أهل الإنجيل بما أنزلنا فيه ، فبدلوا حكمه وخالفوه ، فضلوا بخلافهم إياه إذ لم يحكموا بما أنزل الله فيه وخالفوه " فأولئك هم الفاسقون " ، يعني : الخارجين عن أمر الله فيه ، المخالفين له فيما أمرهم ونهاهم في كتابه .
فأما إذا قرئ بتسكين "اللام " ، فتأويله : وآتينا
عيسى ابن مريم الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزلنا
[ ص: 376 ] فيه ، فلم يطيعونا في أمرنا إياهم بما أمرناهم به فيه ، ولكنهم خالفوا أمرنا ، فالذين خالفوا أمرنا الذي أمرناهم به فيه ، هم الفاسقون .
وكان
ابن زيد يقول : "الفاسقون " ، في هذا الموضع وفي غيره ، هم الكاذبون .
12103 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ، قال : ومن لم يحكم من أهل الإنجيل أيضا بذلك " فأولئك هم الفاسقون " ، قال : الكاذبون . بهذا قال . وقال
ابن زيد : كل شيء في القرآن إلا قليلا "فاسق " فهو كاذب . وقرأ قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ ) [ سورة الحجرات : 6 ] قال : " الفاسق " ، ههنا ، كاذب .
وقد بينا معنى"الفسق " بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ (
nindex.php?page=treesubj&link=28976_28803nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( 47 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ : "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ" .
فَقَرَأَتْهُ قَرَأَةُ
الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ : "وَلْيَحْكُمْ " بِتَسْكِينِ "اللَّامِ " ، عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ مِنَ اللَّهِ لِأَهْلِ الْإِنْجِيلِ : أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ أَحْكَامِهِ . وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، أَرَادَ : وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ، وَأَمَرْنَا أَهْلَهُ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ ، تُرِكَ اسْتِغْنَاءً بِمَا ذُكِرَ عَمَّا حُذِفَ .
وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ
أَهْلِ الْكُوفَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47وَلِيَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ ) بِكَسْرِ"اللَّامِ " ، مِنْ "لِيَحْكُمَ " ، بِمَعْنَى : كَيْ يَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ . وَكَأَنَّ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ، كَيْ يَحْكُمَ أَهْلُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ .
وَالَّذِي نَقُولُ بِهِ فِي ذَلِكَ ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى ، فَبِأَيِ ذَلِكَ قَرَأَ قَارِئٌ فَمُصِيبٌ فِيهِ الصَّوَابَ .
[ ص: 375 ] وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنْزِلْ كِتَابًا عَلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ إِلَّا لِيَعْمَلَ بِمَا فِيهِ أَهْلُهُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ ، وَلَمْ يُنْزِلْهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ ، فَلِلْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَنْزَلَهُ ، وَأَمْرًا بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَنْزَلَهُ . فَكَذَلِكَ الْإِنْجِيلُ ، إِذْ كَانَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ ، فَلِلْعَمَلِ بِمَا فِيهِ أَنْزَلَهُ عَلَى
عِيسَى ، وَأَمْرًا بِالْعَمَلِ بِهِ أَهْلَهُ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ . فَسَوَاءٌ قُرِئَ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ بِتَسْكِينِ "اللَّامِ " ، أَوْ قُرِئَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِكَسْرِهَا ، لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا .
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِنْ قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ ( وَأَنْ لِيَحْكُمْ ) عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ ، فَذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ بِهِ النَّقْلُ عَنْهُ . وَلَوْ صَحَّ أَيْضًا ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ بِخِلَافِهِ مَحْظُورَةً ، إِذْ كَانَ مَعْنَاهَا صَحِيحًا ، وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْقَرَأَةِ قَدْ قَرَأُوا بِهَا .
وَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَا قُرِئَ بِكَسْرِ"اللَّامِ " مِنْ "لِيَحْكُمْ" : وَآتَيْنَا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ، وَكَيْ يَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلْنَا فِيهِ ، فَبَدَّلُوا حُكْمَهُ وَخَالَفُوهُ ، فَضَلُّوا بِخِلَافِهِمْ إِيَّاهُ إِذْ لَمْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَخَالَفُوهُ " فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " ، يَعْنِي : الْخَارِجِينَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ ، الْمُخَالِفِينَ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ فِي كِتَابِهِ .
فَأَمَّا إِذَا قُرِئَ بِتَسْكِينِ "اللَّامِ " ، فَتَأْوِيلُهُ : وَآتَيْنَا
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ، وَأَمَرْنَا أَهْلَهُ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا أَنْزَلْنَا
[ ص: 376 ] فِيهِ ، فَلَمْ يُطِيعُونَا فِي أَمْرِنَا إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ فِيهِ ، وَلَكِنَّهُمْ خَالَفُوا أَمْرَنَا ، فَالَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَنَا الَّذِي أَمَرْنَاهُمْ بِهِ فِيهِ ، هُمُ الْفَاسِقُونَ .
وَكَانَ
ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ : "الْفَاسِقُونَ " ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي غَيْرِهِ ، هُمُ الْكَاذِبُونَ .
12103 - حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17418يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ ، أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " ، قَالَ : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِنْجِيلِ أَيْضًا بِذَلِكَ " فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " ، قَالَ : الْكَاذِبُونَ . بِهَذَا قَالَ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا قَلِيلًا "فَاسِقٌ " فَهُوَ كَاذِبٌ . وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ) [ سُورَةُ الْحُجُرَاتِ : 6 ] قَالَ : " الْفَاسِقُ " ، هَهُنَا ، كَاذِبٌ .
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى"الْفِسْقِ " بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .