الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                ثم قال تعالى : { ذلكم أزكى لكم وأطهر } وقال : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } وقال في آية الاستئذان : [ ص: 384 ] { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } وقال : { فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } وقال : { فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم { اللهم طهر قلبي من خطاياي بالماء والثلج والبرد } وقال في دعاء الجنازة : { واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس } .

                فالطهارة - والله أعلم - هي من الذنوب التي هي رجس والزكاة تتضمن معنى الطهارة التي هي عدم الذنوب ومعنى النماء بالأعمال الصالحة : مثل المغفرة والرحمة ومثل النجاة من العذاب والفوز بالثواب ومثل عدم الشر وحصول الخير ; فإن الطهارة تكون من الأرجاس والأنجاس وقد قال تعالى : { إنما المشركون نجس } وقال : { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } وقال : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } وقال عن المنافقين : { فأعرضوا عنهم إنهم رجس } .

                وقال عن قوم لوط : { ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث } وقال اللوطية عن لوط وأهله : { أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون } قال مجاهد : عن أدبار الرجال ويقال في دخول الغائط { أعوذ بك من الخبث والخبائث } ومن الرجس النجس الخبيث [ ص: 385 ] المخبث وهذه النجاسة تكون من الشرك والنفاق والفواحش والظلم ونحوها وهي لا تزول إلا بالتوبة عن ترك الفاحشة وغيرها فمن تاب منها فقد تطهر وإلا فهو متنجس وإن اغتسل بالماء من الجنابة فذاك الغسل يرفع حدث الجنابة ولا يرفع عنه نجاسة الفاحشة التي قد تنجس بها قلبه وباطنه ; فإن تلك نجاسة لا يرفعها الاغتسال بالماء وإنما يرفعها الاغتسال بماء التوبة النصوح المستمرة إلى الممات .

                وهذا معنى ما رواه ابن أبي الدنيا وغيره : ثنا سويد بن سعيد ثنا مسلم بن خالد عن إسماعيل بن كثير عن مجاهد قال : لو أن الذي يعمل - يعني عمل قوم لوط - اغتسل بكل قطرة في السماء وكل قطرة في الأرض لم يزل نجسا . ورواه ابن الجوزي وروى القاسم بن خلف في " كتاب ذم اللواط " بإسناده عن الفضيل بن عياض أنه قال : لو أن لوطيا اغتسل بكل قطرة نزلت من السماء للقي الله غير طاهر . وقد روى أبو محمد الخلال عن العباس الهاشمي ذلك مرفوعا . وحديث إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود : اللوطيان لو اغتسلا بماء البحر لم يجزهما إلا أن يتوبا ورفع مثل هذا الكلام منكر ; وإنما هو معروف من كلام السلف .

                وكذلك روي عن { أبي هريرة وابن عباس قالا : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته : من نكح امرأة في دبرها [ ص: 386 ] أو غلاما أو رجلا : حشر يوم القيامة أنتن من الجيفة يتأذى به الناس حتى يدخله الله نار جهنم ويحبط الله عمله ولا يقبل منه صرفا ولا عدلا ويجعل في تابوت من نار ويسمر عليه بمسامير من حديد فتشك تلك المسامير في وجهه وجسده } قال أبو هريرة : هذا لمن لم يتب وذلك أن تارك اللواط متطهر كما دل عليه القرآن ففاعله غير متطهر من ذلك فيكون متنجسا ; فإن ضد الطهارة النجاسة ; لكن النجاسة أنواع مختلفة : تختلف أحكامها .

                ومن هاهنا غلط بعض الناس من الفقهاء ; فإنهم لما رأوا ما دل عليه القرآن من طلب طهارة الجنب بقوله : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } قالوا : فيكون الجنب نجسا وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن المؤمن لا ينجس } لما انخنس منه وهو جنب وكره أن يجالسه فهذه النجاسة التي نفاها النبي صلى الله عليه وسلم هي نجاسة الطهارة بالماء التي ظنها أبو هريرة والجنابة تمنع الملائكة أن تدخل بيتا فيه جنب وقال أحمد : إذا وضع الجنب يده في ماء قليل أنجس الماء فظن بعض أصحابه أنه أراد النجاسة الحسية وإنما أراد الحكمية فإن الفرع لا يكون أقوى من الأصل ولا يكون الماء أعظم من البدن ; بل غايته أن يقوم به المانع الذي قام بالبدن والجنب ظاهره ممنوع من الصلاة فيكون الماء كذلك طاهرا يتوضأ به للصلاة .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية