الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن nindex.php?page=treesubj&link=1502دخل البيت وصلى فيه جاز ; لأنه متوجه إلى جزء من البيت ، والأفضل أن يصلي النفل في البيت لقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=20820 : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام } والأفضل أن يصلي الفرض خارج البيت ; لأنه يكثر [ فيه ] الجمع فكان أعظم للأجر ) .
( الشرح ) حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=20822صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فيجوز عندنا أن nindex.php?page=treesubj&link=1502يصلي في الكعبة الفرض والنفل وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وجمهور العلماء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير : لا يجوز الفرض ولا النفل ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ بن الفرج المالكي وجماعة من الظاهرية وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : يجوز النفل المطلق دون الفرض والوتر ، دليلنا حديث nindex.php?page=showalam&ids=115بلال { nindex.php?page=hadith&LINKID=21096أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وسبق قريبا الجواب عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة وقال أصحابنا : nindex.php?page=treesubj&link=1502وإذا صلى في الكعبة فله أن يستقبل أي جدار شاء ، وله أن يستقبل الباب إن كان مردودا أو مفتوحا وله عتبة قدر ثلثي ذراع تقريبا ، هذا هو الصحيح المشهور ، ولنا وجه أنه يشترط في العتبة كونها بقدر ذراع ، وقيل : يشترط قدر قامة المصلي طولا وعرضا ، ووجه ثالث أنه يكفي شخوصها بأي قدر كان ، والمذهب الأول .
قال أصحابنا : والنفل في الكعبة أفضل منه خارجها ، وكذا الفرض إن لم يرج جماعة أو أمكن الجماعة الحاضرين الصلاة فيها ، فإن لم يمكن فخارجها أفضل ، وكلام المصنف - وإن كان مطلقا - فهو محمول على هذا التفصيل : قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم : nindex.php?page=treesubj&link=1502_1423قضاء الفريضة الفائتة في الكعبة أحب إلي من قضائها [ ص: 197 ] خارجها قال : وكل ما قرب منهما كان أحب إلي مما بعد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب : وكذا المنذورة في الكعبة أفضل من خارجها ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا موضع أفضل ولا أطهر للصلاة من الكعبة وأما استدلال المصنف بالحديث على فضل الصلاة في الكعبة فمما أنكر عليه ; لأنه خص المسجد الحرام في هذا الحديث بالكعبة ، وليس هو في هذا الحديث مختصا بها ، بل يتناولها هي والمسجد حولها كما سبق بيانه ، ويمكن أن يجاب عن المصنف ويحمل كلامه على أنه لم يرد اختصاص الحديث بالكعبة ، بل أراد بيان فضيلة الصلاة في المسجد الحرام ، وقد علم أن الكعبة أفضله فكانت الصلاة فيها أفضله ، فإن قيل : كيف جزمتم بأن الكعبة أفضل من خارجها ؟ مع أنه مختلف بين العلماء في صحتها ، والخروج من الخلاف مستحب ؟ فالجواب أنا إنما نستحب الخروج من خلاف محترم ، وهو الخلاف في مسألة اجتهادية ، أما إذا كان الخلاف مخالفا سنة صحيحة كما في هذه المسألة فلا حرمة له ولا يستحب الخروج منه ; لأن صاحبه لم تبلغه هذه السنة ، وإن بلغته وخالفها فهو محجوج بها والله أعلم .
قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في آخر كتاب الحج من تعليقه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ليس في الأرض موضع أحب إلي أن أقضي فيه الصلاة الفائتة من الكعبة ; لأن الفضيلة في القرب منها للمصلي فكانت الفضيلة في بطنها أولى .
( فرع ) في قاعدة مهمة صرح بها جماعة من أصحابنا ، وهي مفهومة من كلام الباقين وهي أن المحافظة على فضيلة تتعلق بنفس العبادة أولى من المحافظة على فضيلة تتعلق بمكان العبادة ، وتتخرج على هذه القاعدة مسائل مشهورة في المذهب منها هذه المسألة التي ذكرها المصنف وقد ذكرها nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم والأصحاب وهي أن nindex.php?page=treesubj&link=1502_23459المحافظة على تحصيل الجماعة خارج الكعبة أفضل من المحافظة على الصلاة في الكعبة ; لأن الجماعة فضيلة تتعلق بنفس الصلاة والكعبة فضيلة تتعلق بالموضع ومنها أن صلاة الفرض في كل المساجد أفضل من غير المسجد ، فلو كان هناك مسجد ليس فيه جماعة ، وهناك جماعة في غير مسجد فصلاته مع الجماعة في غير المسجد أفضل من صلاته منفردا في المسجد . [ ص: 198 ]
ومنها أن صلاة النفل في بيت الإنسان أفضل منها في المسجد مع شرف المسجد ; لأن فعلها في البيت فضيلة تتعلق بها ، فإنه سبب لتمام الخشوع والإخلاص وأبعد من الرياء والإعجاب وشبههما ، حتى أن صلاته النفل في بيته أفضل منها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكرناه ودليله الحديث الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=3741أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة رضي الله عنهم حين صلوا في مسجده النافلة أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم . وفي رواية أبي داود : { nindex.php?page=hadith&LINKID=1389أفضل من صلاته في مسجدي هذا } .
ومنها أن القرب من الكعبة في الطواف مستحب ، والرمل مستحب فيه ، فلو منعته الزحمة من الجمع بينهما لم يمكنه الرمل مع القرب وأمكنه مع البعد ، nindex.php?page=treesubj&link=3546_22802فالمحافظة على الرمل مع البعد أولى من المحافظة على القرب بلا رمل لما ذكرناه ، ونظائر هذه المسائل مشهورة وسنوضحها في مواضعها إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق .