الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 152 ] ثم قال تعالى : ( وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى لما نهى عن إيتاء المال السفيه أمر بعد ذلك بثلاثة أشياء : أولها : قوله : ( وارزقوهم ) ومعناه : وأنفقوا عليهم ومعنى الرزق من العباد هو الإجراء الموظف لوقت معلوم يقال : فلان رزق عياله أي أجرى عليهم ، وإنما قال : ( فيها ) ولم يقل : منها لئلا يكون ذلك أمرا بأن يجعلوا بعض أموالهم رزقا لهم ، بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكانا لرزقهم بأن يتجروا فيها ويثمروها فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح لا من أصول الأموال ، وثانيها : قوله : ( واكسوهم ) والمراد ظاهر ، وثالثها : قوله : ( وقولوا لهم قولا معروفا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى إنما أمر بذلك ؛ لأن القول الجميل يؤثر في القلب فيزيل السفه ، أما خلاف القول المعروف فإنه يزيد السفيه سفها ونقصانا .

                                                                                                                                                                                                                                            والمفسرون ذكروا في تفسير القول المعروف وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : قال ابن جريج ومجاهد : إنه العدة الجميلة من البر والصلة ، وقال ابن عباس : هو مثل أن يقول : إذا ربحت في سفرتي هذه فعلت بك ما أنت أهله ، وإن غنمت في غزاتي أعطيتك .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : قال ابن زيد : إنه الدعاء مثل أن يقول : عافانا الله وإياك بارك الله فيك ، وبالجملة كل ما سكنت إليه النفوس وأحبته من قول وعمل فهو معروف وكل ما أنكرته وكرهته ونفرت منه فهو منكر .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : قال الزجاج : المعنى علموهم مع إطعامكم وكسوتكم إياهم أمر دينهم مما يتعلق بالعلم والعمل ، ورابعها : قال القفال رحمه الله القول المعروف هو أنه إن كان المولى عليه صبيا ، فالولي يعرفه أن المال ماله وهو خازن له ، وأنه إذا زال صباه فإنه يرد المال إليه ، ونظير هذه الآية قوله : ( فأما اليتيم فلا تقهر ) [ الضحى : 9 ] معناه لا تعاشره بالتسلط عليه كما تعاشر العبيد ، وكذا قوله : ( وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ) [ الإسراء : 28 ] وإن كان المولى عليه سفيها وعظه ونصحه وحثه على الصلاة ، ورغبه في ترك التبذير والإسراف ، وعرفه أن عاقبة التبذير الفقر والاحتياج إلى الخلق إلى ما يشبه هذا النوع من الكلام ، وهذا الوجه أحسن من سائر الوجوه التي حكيناها .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية