الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 489 ] القول في تأويل قوله ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ( 78 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، قل لهؤلاء النصارى الذين وصف تعالى ذكره صفتهم : لا تغلوا فتقولوا في المسيح غير الحق ، ولا تقولوا فيه ما قالت اليهود الذين قد لعنهم الله على لسان أنبيائه ورسله ، داود وعيسى ابن مريم .

وكان لعن الله إياهم على ألسنتهم ، كالذي : -

12298 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " قال : لعنوا بكل لسان : لعنوا على عهد موسى في التوراة ، ولعنوا على عهد داود في الزبور ، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل ، ولعنوا على عهد محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن .

12299 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " ، يقول : لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى ابن مريم ، ولعنوا في الزبور على لسان داود .

12300 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن أبيه ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " ، قال : خالطوهم بعد النهي في تجاراتهم ، [ ص: 490 ] فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، فهم ملعونون على لسان داود وعيسى ابن مريم .

12301 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن حصين ، عن مجاهد : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " ، قال : لعنوا على لسان داود فصاروا قردة ، ولعنوا على لسان عيسى فصاروا خنازير .

12302 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس ، قوله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل " ، بكل لسان لعنوا : على عهد موسى في التوراة ، وعلى عهد داود في الزبور ، وعلى عهد عيسى في الإنجيل ، ولعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن قال ابن جريج : وقال آخرون : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود " ، على عهده ، فلعنوا بدعوته . قال : مر داود على نفر منهم وهم في بيت فقال : من في البيت؟ قالوا : خنازير . قال : "اللهم اجعلهم خنازير! " فكانوا خنازير . قال : ثم أصابتهم لعنته ، ودعا عليهم عيسى فقال : "اللهم العن من افترى علي وعلى أمي ، واجعلهم قردة خاسئين"!

12303 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل " الآية ، لعنهم الله على لسان داود في زمانه ، فجعلهم قردة خاسئين وفي الإنجيل على لسان عيسى ، فجعلهم خنازير .

12304 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال ، حدثنا أبو محصن حصين بن نمير ، عن حصين يعني : ابن عبد الرحمن ، عن أبي مالك قال : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود " ، قال : مسخوا على لسان داود قردة ، وعلى لسان عيسى خنازير .

[ ص: 491 ] 12305 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن أبي مالك ، مثله .

12306 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس ، عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرا ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريبه . فلما رأى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " ، قال : والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يدي المسيء ، ولتؤطرنه على الحق أطرا ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ، وليلعننكم كما لعنهم .

[ ص: 492 ] 12307 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا الحكم بن بشير بن سلمان قال ، حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما فشا المنكر في بني إسرائيل ، جعل الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا ، اتق الله! ثم لا يمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه . فلما رأى الله ذلك منهم ، ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ثم أنزل فيهم كتابا : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا ، فجلس وقال : كلا والذى نفسي بيده ، حتى تأطروا الظالم على الحق أطرا" .

[ ص: 493 ] 12308 - حدثنا علي بن سهل الرملي قال ، حدثنا المؤمل بن إسماعيل قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثنا علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، أظنه عن مسروق ، عن عبد الله قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن بني إسرائيل لما ظهر منهم المنكر ، جعل الرجل يرى أخاه وجاره وصاحبه على المنكر ، فينهاه ، ثم لا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه ونديمه ، فضرب الله قلوب بعضهم على بعض ، ولعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " ، إلى"فاسقون " ، قال عبد الله : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا ، فاستوى جالسا ، فغضب وقال : لا والله ، حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا .

12309 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص ، كان الرجل يرى أخاه على الريب فينهاه عنه ، فإذا كان الغد ، لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ونزل فيهم القرآن فقال : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " حتى بلغ"ولكن كثيرا منهم فاسقون " ، [ ص: 494 ] قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس ، وقال : لا حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا .

12310 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو داود قال : أملاه علي قال ، حدثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .

12311 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن علي بن بذيمة قال : سمعت أبا عبيدة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه غير أنهما قالا في حديثهما : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فاستوى جالسا ، ثم قال : كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا" .

[ ص: 495 ] 12312 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " ، قال فقال : لعنوا في الإنجيل وفي الزبور وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رحى الإيمان قد دارت ، فدوروا مع القرآن حيث دار [ فإنه . . . قد فرغ الله مما افترض فيه ] . [ وإن ابن مرح ] كان أمة من بني إسرائيل ، كانوا أهل عدل ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فأخذه قومهم فنشروهم بالمناشير ، وصلبوهم على الخشب ، وبقيت منهم بقية ، فلم يرضوا حتى داخلوا الملوك وجالسوهم ، ثم لم يرضوا حتى واكلوهم ، فضرب الله تلك القلوب بعضها ببعض فجعلها واحدة . فذلك قول الله تعالى : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود " إلى : "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " ، ماذا كانت معصيتهم؟ قال : " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " .

فتأويل الكلام إذا : لعن الله الذين كفروا من اليهود بالله على لسان داود وعيسى ابن مريم ، ولعن والله آباؤهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ، بما عصوا الله فخالفوا أمره " وكانوا يعتدون " ، يقول : وكانوا يتجاوزون حدوده .

التالي السابق


الخدمات العلمية