الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى ( وأني فضلتكم على العالمين ( 47 ) )

قال أبو جعفر : وهذا أيضا مما ذكرهم جل ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم . ويعني بقوله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) : أني فضلت أسلافكم ، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنها نعم منه عليهم ، إذ كانت مآثر الآباء مآثر للأبناء ، [ ص: 24 ] والنعم عند الآباء نعما عند الأبناء ، لكون الأبناء من الآباء ، وأخرج جل ذكره قوله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) مخرج العموم ، وهو يريد به خصوصا ; لأن المعنى : وإني فضلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه . كالذي : -

868 - حدثنا به محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر - وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر - عن قتادة ، ( وأني فضلتكم على العالمين ) قال : فضلهم على عالم ذلك الزمان .

869 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( وأني فضلتكم على العالمين ) قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب ، على عالم من كان في ذلك الزمان ، فإن لكل زمان عالما .

870 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد في قوله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) قال : على من هم بين ظهرانيه .

871 - وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : على من هم بين ظهرانيه .

872 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قول الله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) ، قال : عالم أهل ذلك الزمان . وقرأ قول الله : ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين ) [ الدخان : 32 ] قال : هذه لمن أطاعه واتبع أمره ، وقد كان فيهم القردة ، وهم أبغض خلقه إليه ، وقال لهذه الأمة : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [ آل عمران : 110 ] قال : [ ص: 25 ] هذه لمن أطاع الله واتبع أمره واجتنب محارمه .

قال أبو جعفر : والدليل على صحة ما قلنا من أن تأويل ذلك على الخصوص الذي وصفنا ما : -

873 - حدثني به يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر جميعا ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا إنكم وفيتم سبعين أمة - قال يعقوب في حديثه : أنتم آخرها - . وقال الحسن : " أنتم خيرها وأكرمها على الله " .

فقد أنبأ هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لم يكونوا مفضلين على أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، وأن معنى قوله : ( وفضلناهم على العالمين ) [ الجاثية : 16 ] وقوله : ( وأني فضلتكم على العالمين ) على ما بينا من تأويله . [ ص: 26 ] وقد أتينا على بيان تأويل قوله : ( العالمين ) بما فيه الكفاية في غير هذا الموضع ، فأغنى ذلك عن إعادته .

التالي السابق


الخدمات العلمية