الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب البيع بغير إشهاد 2212 - ( عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { أنه ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي ، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبي [ ص: 202 ] صلى الله عليه وسلم ابتاعه فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي : أوليس قد ابتعته منك قال الأعرابي : لا والله ما بعتك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلى قد ابتعته فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيدا ، قال خزيمة : أنا أشهد أنك قد ابتعته ، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال : بم تشهد ؟ فقال : بتصديقك يا رسول الله ، فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين } رواه أحمد والنسائي وأبو داود ) . الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجال إسناده عند أبي داود ثقات ، وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( ابتاع فرسا ) قيل : هذا الفرس هو المرتجز المذكور في أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم سمي بذلك لحسن صهيله كأنه بصهيله ينشد رجز الشعر الذي هو أطيبه ، وكان أبيض ، وقيل : هو الطرف بكسر الطاء ، وقيل : هو النجيب . قوله : ( من أعرابي ) قيل : هو سواء بن الحارث ، وقال الذهبي : هو سواء بن قيس المحاربي قوله : ( فاستتبعه ) السين للطلب : أي : أمره أن يتبعه إلى مكانه كاستخدامه إذا أمره أن يخدمه وفيه شراء السلعة وإن لم يكن الثمن حاضرا ، وجواز تأجيل البائع بالثمن إلى أن يأتي إلى منزله . قوله : ( فطفق ) بكسر الفاء على اللغة المشهورة ، وبفتحها على اللغة القليلة . قوله : ( بالفرس ) الباء زائدة في المفعول ; لأن المساومة تتعدى بنفسها ، تقول : سمت الشيء

                                                                                                                                            قوله ( لا يشعرون ) . . . إلخ ، أي : لم يقع من الصحابة السوم المنهي عنه بعد استقرار البيع ، والنهي إنما يتعلق بمن علم ; لأن العلم شرط التكليف قوله : ( لا والله ما بعتك ) قيل : إنما أنكر هذا الصحابي البيع وحلف على ذلك ; لأن بعض المنافقين كان حاضرا ، فأمره بذلك وأعلمه أن البيع لم يقع صحيحا ، وأنه لا إثم عليه في الحلف على أنه ما باعه فاعتقد صحة كلامه ; لأنه لم يظهر له نفاقه ، ولو علمه لما اغتر به ، وهذا وإن كان هو اللائق بحال من كان صحابيا ، ولكن لا مانع من أن يقع مثل ذلك من الذين لم يدخل حب الإيمان في قلوبهم ، وغير مستنكر أن يوجد في ذلك الزمان من يؤثر العاجلة ، فإنه قد كان بهذه المثابة جماعة منهم كما قال تعالى : { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } والله يغفر لنا ولهم . قوله : ( هلم ) هلم بضم اللام وبناء الآخر على الفتح لأنه اسم فعل ، وشهيدا منصوب به وهو فعيل بمعنى فاعل : أي : هلم شاهدا ، زاد النسائي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان وطفق الأعرابي يقول : هلم شاهدا إني قد بعتكه } قوله : ( بم تشهد ) أي : بأي شيء تشهد على ذلك ولم تك حاضرا عند وقوعه ؟ .

                                                                                                                                            وفي رواية للطبراني : [ ص: 203 ] بم تشهد ولم تكن حاضرا ؟ ، والحديث استدل به المصنف على جواز البيع بغير إشهاد قال الشافعي : لو كان الإشهاد حتما لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني : الأعرابي من غير حضور شهادة ، ومراده أن الأمر في قوله تعالى: { وأشهدوا إذا تبايعتم } ليس على الوجوب ، بل هو على الندب ; لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم قرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى الندب وقيل : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضا } وقيل : محكمة ، والأمر على الوجوب ، قال ذلك أبو موسى الأشعري وابن عمر والضحاك وابن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وعطاء والشعبي والنخعي وداود بن علي وابنه أبو بكر والطبري قال الضحاك : هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل قال الطبري : لا يحل لمسلم إذا باع أو اشترى أن يترك الإشهاد وإلا كان مخالفا لكتاب الله قال ابن العربي : وقول العلماء كافة : إنه على الندب وهو الظاهر وقد ترجم أبو داود على هذا الحديث باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد . الواحد يجوز له أن يحكم به ، وبه يقول شريح وفي البخاري أن مروان قضى بشهادة ابن عمر وحده ، وأجاب عنه الجمهور بأن شهادة ابن عمر كانت على جهة الإخبار ويجاب أيضا عن شهادة خزيمة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعلها بمثابة شهادة رجلين ، فلا يصح الاستدلال بها على قبول شهادة الواحد ، وذكر ابن التين أنه صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين : " لا تعد " أي تشهد على ما لم تشاهده ، وقد أجيب عن ذلك الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد . وقد تمسك بهذا الحديث جماعة من أهل البدع فاستحلوا الشهادة لمن كان معروفا بالصدق على كل شيء ادعاه ، وهو تمسك باطل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة لا يجوز أن يحكم لغيره بمقاربتها فضلا عن مساواتها حتى يصح الإلحاق .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية