الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ وكذلك أنـزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة " قال مقاتل : نزلت في نفر من أسد وغطفان ، قالوا : إنا نخاف أن لا ينصر محمد ، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود ، وإلى نحو هذا ذهب أبو حمزة الثمالي والسدي . وحكى أبو سليمان الدمشقي : أن الإشارة بهذه الآية إلى الذين انصرفوا عن الإسلام لأن أرزاقهم ما اتسعت ، وقد شرحنا القصة في قوله تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هاء " ينصره " قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنها ترجع على " من " ، والنصر بمعنى : الرزق ، هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء ، وبه قال مجاهد . قال أبو عبيدة : وقف علينا سائل [ ص: 413 ] من بني بكر ، فقال : من ينصرني نصره الله ; أي : من يعطيني أعطاه الله ، ويقال : نصر المطر أرض كذا ; أي : جادها وأحياها ، قال الراعي :


                                                                                                                                                                                                                                      [ إذا أدبر الشهر الحرام فودعي بلاد تميم ] وانصري أرض عامر



                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنها ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا ، رواه التميمي عن ابن عباس ، وبه قال عطاء وقتادة . قال ابن قتيبة : وهذه كناية عن غير مذكور ، وكان قوم من المسلمين لشدة حنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر ، وآخرون من [ ص: 414 ] المشركين يريدون اتباعه ، ويخشون أن لا يتم أمره ، فقال هذه الآية للفريقين . ثم في معنى [ هذا ] النصر قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنه الغلبة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، والجمهور .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه الرزق ، حكاه أبو سليمان الدمشقي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فليمدد بسبب إلى السماء " في المراد بالسماء قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : سقف بيته ، والمعنى : فليشدد حبلا في سقف بيته ، فليختنق به ، " ثم ليقطع " الحبل ليموت مختنقا ، هذا قول الأكثرين . ومعنى الآية : ليصور هذا الأمر في نفسه لا أنه يفعله ; لأنه إذا اختنق لا يمكنه النظر والعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنها السماء المعروفة ، والمعنى : فليقطع الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قدر ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ثم ليقطع " قرأ أبو عمرو وابن عامر : ( ثم ليقطع ) ، ( ثم ليقضوا ) [ الحج : 29 ] بكسر اللام . زاد ابن عامر : ( وليوفوا ) [ الحج : 29 ] ، ( وليطوفوا ) [ الحج : 29 ] بكسر اللام أيضا . وكسر ابن كثير لام ( ثم ليقضوا ) فحسب . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي بسكون هذه اللامات ، وكذلك في كل القرآن إذا كان قبلها واو ، أو فاء ، [ أو ] ثم . قال الفراء : من سكن فقد خفف ، وكل لام أمر وصلت بواو أو فاء ، فأكثر كلام العرب تسكينها ، وقد كسرها بعضهم . قال أبو علي : الأصل الكسر ; لأنك إذا ابتدأت قلت : ليقم زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " هل يذهبن كيده " قال ابن قتيبة : المعنى : هل تذهبن حيلته غيظه ، والمعنى : ليجهد جهده .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وكذلك " ; أي : ومثل ذلك الذي تقدم من آيات القرآن ، [ ص: 415 ] " أنزلناه " يعني : القرآن . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى : " إن الله يفصل بينهم " ; أي : يقضي " يوم القيامة " بينهم بإدخال المؤمنين الجنة والآخرين النار ، " إن الله على كل شيء " من أعمالهم " شهيد " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية