الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، أخبرني أبو عثمان الخوارزمي - نزيل مكة فيما كتب إلي - ثنا محمد بن رشيق ، ثنا محمد بن الحسن البلخي ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقلت : يا رسول الله ، ما تقول في قول مالك وأهل العراق ؟ قال : ليس قولي إلا [ ص: 101 ] قولي ، قلت : ما تقول في قول أبي حنيفة وأصحابه ؟ قال : ليس قولي إلا قولي ، قلت : ما تقول في قول الشافعي ؟ قال : ليس قولي إلا قولي ، ولكنه صد قول أهل البدع .

              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا الربيع بن سليمان ، حدثني أبو الليث الخفاف - وكان معدلا عند القضاة - قال : أخبرني العزيزي - وكان متعبدا - قال : رأيت ليلة مات الشافعي في المنام كأنه يقال : مات النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة ، فكان يقول : أنت تقيل في مجلس عبد الرحمن الزهري في المسجد الجامع ، وكأنه يقال له : تخرج به بعد العصر ، فأصبحت ، فقيل لي : مات ، وقيل لي : نخرج به بعد الجمعة ؟ فقلت : الذي رأيته في المنام نخرج به بعد العصر ، وكأني رأيت في النوم حين أخرج به كان معه سرير امرأة رثة السرير ، فأرسل أمير مصر أن لا يخرج به إلا بعد العصر ، فحبس إلى بعد العصر . قال العزيزي : شهدت جنازته ، فلما صرت إلى الموضع الواسع رأيت سريرا مثل سرير تلك المرأة الرثة السرير مع سريره .

              حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا أحمد بن عبد الله بن سهل الشيباني ، ثنا الربيع ، ثنا أبو الليث الخفاف ، ثنا العزيزي ، قال الربيع : وكان لا يخرج إلى خارج ، وذكر عنه فضلا . قال : رأيت في المنام مثله .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الرحمن بن داود ، ثنا أبو زكريا النيسابوري ، ثنا علي بن حسان ، ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرني رجل من إخواننا من أهل بغداد ، قال : قال أحمد بن حنبل : قدم علينا نعيم بن حماد ، وحثنا على طلب المسند ، فلما قدم علينا الشافعي وضعنا على المحجة البيضاء .

              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا أبي ، ثنا حرملة بن يحيى ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : وعدني أحمد أن نقدم على مصر .

              حدثنا عبد الرحمن ، ثنا أبو محمد ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، قال : سمعت الحسن بن محمد الصباح ، يقول : قال لي أحمد بن حنبل : إذا رأيت أبا عبد الله الشافعي قد خلا فأعلمني ، قال : فكان يجيئه ارتفاع النهار ، فيبقى معه .

              [ ص: 102 ] حدثنا عبد الرحمن ، ثنا أبو محمد ، أنبأنا أبو عثمان الخوارزمي - فيما كتب إلي - ثنا أبو أيوب حميد بن أحمد البصري ، قال : كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة ، فقال رجل لأحمد : يا أبا عبد الله ، لا يصح فيه حديث . فقال : إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي ، وحجته أثبت شيء فيه . ثم قال : قلت للشافعي : ما تقول في مسألة كذا وكذا ؟ فأجاب ، قلت : من أين قلت ؟ هل فيه حديث أو كتاب ؟ قال : بلى ! فرفع في ذلك حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو حديث نص .

              حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أحمد بن روح ، ثنا إسماعيل بن شجاع ، ثنا الفضل بن زياد ، عن أبي طالب ، قال : سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : ما رأيت أتبع للحديث من الشافعي .

              حدثنا الحسن بن سعيد ، ثنا زكريا الساجي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : سمعت حميد بن زنجويه ، يقول : سمعت أحمد بن حنبل ، يقول : ما سبق أحد الشافعي إلى كتابة الحديث .

              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا علي بن الحسن الهسنجاني ، قال : سمعت أبا إسماعيل الترمذي ، يقول : سمعت إسحاق بن راهويه ، يقول : ما تكلم أحد بالرأي - وذكر الثوري والأوزاعي ومالكا وأبا حنيفة - إلا أن الشافعي أكثر اتباعا ، وأقل خطأ منهم .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس ، ثنا أحمد بن عثمان النحوي ، قال : سمعت أبا فديك النسائي ، يقول : سمعت إسحاق بن راهويه ، يقول : كتبت إلى أحمد بن حنبل وسألته أن يوجه إلي من كتب الشافعي ما يدخل في حاجتي ، فوجه إلي كتاب الرسالة .

              قال : وحدثنا أبو زرعة ، قال : بلغني أن إسحاق بن راهويه كتب له كتب الشافعي ، فسن في كلامه أشياء قد أخذها من الشافعي ، وجعلها لنفسه .

              حدثنا عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا أحمد بن مسلمة النيسابوري ، قال : تزوج إسحاق بن راهويه بمرو بامرأة رجل كان [ ص: 103 ] عنده كتب الشافعي ، فتوفي ، لم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي ، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشافعي ، ووضع جامعه الصغير على جامع الثوري الصغير ، وقدم أبو إسماعيل الترمذي نيسابور ، وكان عنده كتب الشافعي عن البويطي ، فقال له إسحاق بن راهويه : لي إليك حاجة ، أن لا تحدث بكتب الشافعي ما دمت بنيسابور ، فأجابه إلى ذلك ، فما حدث بها حتى خرج .

              حدثنا عبد الرحمن ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، قال : أخبرني أبو عثمان الخوارزمي - نزيل مكة فيما كتب إلي - قال : قال أبو ثور : كنت أنا ، وإسحاق بن راهويه ، وحسين الكرابيسي ، وذكر جماعة من العراقيين ، ما تركنا بدعتنا حتى رأينا الشافعي .

              قال أبو عثمان : وحدثنا أبو عبد الله التستري ، عن أبي ثور ، قال : لما ورد الشافعي العراق جاءني حسين الكرابيسي - وكان يختلف معي إلى أصحاب الرأي - فقال : قد ورد رجل من أصحاب الحديث يتفقه ، فقم بنا نسخر به ، فذهبنا حتى دخلنا عليه ، فسأله الحسين عن مسألة ، فلم يزل الشافعي يقول : قال الله ، وقال رسول الله ، حتى أظلم علينا البيت ، فتركنا بدعتنا ، واتبعناه .

              حدثنا عبد الله بن جعفر ، ثنا زكريا الساجي ، حدثني أحمد بن مردك ، قال : سمعت حرملة ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول : رأيت أبا حنيفة في المنام ، وعليه ثياب وسخة ، وهو يقول : ما لي وما لك يا شافعي ، ما لي وما لك يا شافعي ؟

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا عبد الله بن داود ، ثنا أبو زكريا النيسابوري ، قال : سمعت ابن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : نظرت في كتاب لأبي حنيفة فيه عشرون ومائة ، أو ثلاثون ومائة ورقة ، فوجدت فيه ثمانين ورقة في الوضوء والصلاة ، ووجدت فيه إما خلافا لكتاب أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو اختلاف قول أو تناقضا ، أو خلاف قياس .

              حدثنا عبد الله ، ثنا عبد الرحمن ، ثنا أبو زكريا ، ثنا محمد ، قال : ما رأيت أحدا يناظر الشافعي إلا رحمته مع الشافعي .

              قال : وقال هارون بن سعيد : لو أن الشافعي ناظر على هذا العمود الذي من حجارة أنه من خشب لغلب في اقتداره على المناظرة .

              وقال الشافعي : ناظرت رجلا بالعراق فجاء ، فكلما جاء بمعنى [ ص: 104 ] أدخلت عليه معنى آخر ، فيبقى ، فتناظرنا في شيء ، فقلت له : من قال بهذا ؟ قال : أمسك : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، فلم يزل يعد حتى عد العشرة ، فبلغ كل مبلغ ، وكان حولنا قوم لا معرفة لهم بالرواية ، فاجتمعنا بعد ذلك المجلس ، فقلت له : الذي رويت عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، من حدثك به ؟ فقال : لم أرو لك شيئا ، ولم يحدثني أحد ، وإنما قلت لك : أمسك : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي .

              قال محمد : كان أعلم بكل فن ، لو كنت أدركته وأنا رجل كامل لاستخرجت من جنبيه علوما جمة ، ولقد رأيت عنده أشعار هذيل ، وما كنت أذكر له قصيدة إلا ربما أنشدنيها من أولها إلى آخرها ، على أنه مات وهو ابن أربع وخمسين سنة .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم ، أخبرني يونس ، قال : سمعت الشافعي ، يقول : ناظرت يوما محمد بن الحسن ، فاشتدت مناظرتي إياه ، فجعلت أوداجه تنتفخ ، وأزراره تنقطع زرا زرا .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن محمد بن مصقلة ، قال : سمعت أبا محمد ابن أخت الشافعي ، يقول : قالت أمي : ربما قدمنا في ليلة واحدة ثلاثين مرة ، أو أقل أو أكثر ، المصباح إلى بين يدي الشافعي ، وكان يستلقي ويتفكر ، ثم ينادي : يا جارية ، هلمي المصباح ، فتقدمه ، ويكتب ما يكتب ، ثم يقول : ارفعيه ، فقلت لأبي محمد : ما أراد برد المصباح ؟ قال : الظلمة أجلى للقلب .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن محمد بن يزيد ، ثنا أبو طاهر ، قال : سمعت حرملة ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول في تفسير الحديث " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " ، قال : يتحزن به ، ويترنم به .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي ، ثنا ابن بنت الشافعي ، قال : سمعت أبي ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول : نظرت في دفتي المصحف ، فعرفت مراد الله تعالى فيه إلا حرفين : واحد منهما قوله تعالى : ( وقد خاب من دساها ) ، فإني لم أجده .

              حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أبو الفضل صالح بن محمد ، قال : سمعت أبا محمد [ ص: 105 ] الشافعي ، يقول : سمعت أبي ، يقول : سمعت الشافعي ، يقول : لا ينبل قرشي بمكة ، ولا يظهر أمره حتى يخرج منها ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يظهر أمره حتى خرج من مكة ، ولا يكاد يجود شعر القرشي ، وذلك أن الله عز وجل قال للنبي عليه الصلاة والسلام : ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) ، ولا يكاد يجود خط القرشي ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية