الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " ولقد آتينا موسى الكتاب " يعني : التوراة ، أعطيها جملة واحدة بعد غرق فرعون ، " لعلهم " يعني : بني إسرائيل ، والمعنى : لكي يهتدوا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة : ( آيتين ) على التثنية ، وهذا كقوله : وجعلناها وابنها آية [ الأنبياء : 91 ] ، وقد سبق شرحه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وآويناهما " ; أي : جعلناهما يأويان ، " إلى ربوة " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : ( ربوة ) بضم الراء . وقرأ عاصم وابن عامر بفتحها . وقد شرحنا معنى الربوة في ( البقرة : 265 ) . ( ذات قرار ) ; أي : مستوية يستقر عليها ساكنوها ، والمعنى : ذات موضع قرار . وقال الزجاج : أي : ذات مستقر . " ومعين " وهو الماء الجاري من العيون . وقال ابن قتيبة : " ذات قرار " ; أي : يستقر بها للعمارة ، " ومعين " : هو الماء الظاهر ، [ ص: 476 ] ويقال : هو مفعول من العين ، كأن أصله معيون ، كما يقال : ثوب مخيط ، وبر مكيل .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف المفسرون في موضع هذه الربوة الموصوفة على أربعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنها دمشق ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنها بيت المقدس ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، وعن الحسن كالقولين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنها الرملة من أرض فلسطين ، قاله أبو هريرة .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : مصر ، قاله وهب بن منبه ، وابن زيد ، وابن السائب .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما السبب الذي لأجله أويا إلى الربوة ، فقال أبو صالح عن ابن عباس : فرت مريم بابنها عيسى من ملكهم ، ثم رجعت إلى أهلها بعد اثنتي عشرة سنة . قال وهب بن منبه : وكان الملك أراد قتل عيسى . [ ص: 477 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية