الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه .

                                                                                                                                                                                                                                      اعلم أنه تعالى في هذه الآية الكريمة قال : مكانا ضيقا ، وكذلك في الأنعام في قوله تعالى : يجعل صدره ضيقا حرجا [ 6 \ 125 ] وقال في هود وضائق به صدرك [ 11 \ 12 ] فما وجه التعبير في سورة هود ، بقوله : ضائق على وزن فاعل ، وفي الفرقان والأنعام بقوله : ضيقا على وزن فيعل ، مع أنه في المواضع الثلاثة هو الوصف من ضاق يضيق ، فهو ضيق .

                                                                                                                                                                                                                                      والجواب عن هذا هو أنه تقرر في فن الصرف أن جميع أوزان الصفة المشبهة باسم الفاعل إن قصد بها الحدوث والتجدد جاءت على وزن فاعل مطلقا ، كما أشار له ابن مالك في لاميته بقوله :

                                                                                                                                                                                                                                      وفاعل صالح للكل إن قصد الـ حدوث نحو غدا ذا فارح جذلا



                                                                                                                                                                                                                                      وإن لم يقصد به الحدوث والتجدد بقي على أصله .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله تعالى في سورة هود : فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك [ 11 \ 12 ] أريد به أنه يحدث له ضيق الصدر ، ويتجدد له بسبب عنادهم وتعنتهم في قولهم : لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك ولما كان كذلك ، قيل فيه : ضائق بصيغة اسم الفاعل ، أما قوله : ضيقا في الفرقان والأنعام فلم يرد به حدوث ، ولذلك بقي على أصله .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أمثلة إتيان الفيعل على فاعل إن قصد به الحدوث قوله تعالى : وضائق به صدرك وقول قيس بن الخطيم الأنصاري :

                                                                                                                                                                                                                                      أبلغ خداشا أنني ميت     كل امرئ ذي حسب مائت



                                                                                                                                                                                                                                      فلما أراد حدوث الموت قال : مائت بوزن فاعل ، وأصله ميت على وزن فيعل .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أمثلته في فعل بفتح فكسر قول أبي عمرو أشجع بن عمرو السلمي يرثي قتيبة بن مسلم : [ ص: 29 ]

                                                                                                                                                                                                                                      فما أنا من رزء وإن جل جازع     ولا بسرور بعد موتك فارح



                                                                                                                                                                                                                                      فلما نفى أن يحدث له في المستقبل فرح ولا جزع قال جازع وفارح ، والأصل : جزع وفرح .

                                                                                                                                                                                                                                      ومثاله في فعيل قول لبيد :

                                                                                                                                                                                                                                      حسبت التقى والجود خير تجارة     رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا



                                                                                                                                                                                                                                      فلما أراد حدوث الثقل قال : ثاقلا والأصل ثقيل ، وقول السمهري العكلي :

                                                                                                                                                                                                                                      بمنزلة أما اللئيم فسامن     بها وكرام الناس باد شحوبها



                                                                                                                                                                                                                                      فلما أراد حدوث السمن قال : فسامن والأصل سمين .

                                                                                                                                                                                                                                      واعلم أن قراءة ابن كثير " ضيقا " بسكون الياء في الموضعين راجعة في المعنى إلى قراءة الجمهور بتشديد الياء لأن إسكان الياء تخفيف كهين ولين ، في هين ولين . والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية