الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 196 ] مسألة : ومن أعتق إلى أجل مسمى - قريب أو بعيد - مثل أن يقول : أنت حر غدا ، أو إلى سنة ، أو إلى بعد موتي ، أو إذا جاء أبي ، أو إذا أفاق فلان ، أو إذا نزل المطر ، أو نحو هذا ، فهو كما قال ، وله بيعه ما لم يأت ذلك الأجل ، فإن باعه ثم رجع إلى ملكه فقد بطل ذلك العقد ، ولا عتق له بمجيء ذلك الأجل ، ولا رجوع له في عقده ذلك أصلا ، إلا بإخراجه عن ملكه ; لأن هذا العتق إما وصية ، وإما نذر ، وكلاهما عقد صحيح قد جاء النص بالوفاء بهما ، فلو علق العتق بمعصية ، أو بغير طاعة ولا معصية : لم يجز العتق ; لأنه عقد فاسد محرم منهي عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا وفاء لنذر في معصية الله }

                                                                                                                                                                                          وقد روينا عن عطاء من قال لعبده : أنت حر ، لم يكن حرا حتى يقول : لله ، وهذا حق ; لأن العتق عبادة لله تعالى ، وبر وقربة إليه تعالى ، فكل عبادة وقربة لم تكن له تعالى مخلصا له بها فهي باطل مردودة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } .

                                                                                                                                                                                          وقد رويت آثار فاسدة - : منها { من أعتق لاعبا فقد جاز } وهو باطل ; لأنه مرسل عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق فيها إبراهيم بن أبي يحيى - وهو مذكور بالكذب - وروي عن ابن عمر : أربع مقفلات لا يجوز فيهن الهزل : الطلاق ، والنكاح ، والعتاقة ، والنذر - وهذا لا يصح ; لأنه عن سعيد بن المسيب عن عمر ، ولم يسمع سعيد من عمر شيئا إلا نعيه النعمان بن مقرن .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح لم يكن لهم فيه متعلق ; لأن ظاهره خلاف قولهم ، بل موافق لقولنا ; لأن الهزل لا يجوز في النكاح ، والطلاق ، والعتق ، والنذر ، فإذ لا يجوز فيها فهي غير واقعة به ، هذا مقتضى لفظ الخبر .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح كما يريدون فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق فيها إبراهيم بن عمرو - وهو ضعيف - عن عبد الكريم بن أبي المخارق [ ص: 197 ] وهو غير ثقة - عن جعدة بن هبيرة عن عمر : ثلاث اللاعب فيهن والجاد سواء الطلاق ، والصدقة والعتق .

                                                                                                                                                                                          ثم هم مخالفون لهذا ; لأنهم لا يجيزون صدقة المكره عليها - فبعض كلام روي عن عمر حجة ، وبعضه ليس حجة ، هذا اللعب بالدين .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الحسن عن أبي الدرداء - : ثلاث اللاعب فيهن كالجاد : النكاح ، والطلاق ، والعتاق - هذا مرسل ، ولم يدرك الحسن أبا الدرداء

                                                                                                                                                                                          ومن طريق جابر الجعفي عن عبد الله بن يحيى عن علي : ثلاث لا لعب فيهن - : النكاح ، والطلاق ، والعتاق ، - جابر كذاب ، ثم لو صح لكان ظاهره موافقا لقولنا لا لقولهم ، وهو إبطال اللعب فيهن فإذا بطل ما وقع منها باللعب .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سفيان بن عيينة بلغني أن مروان أخذ من علي : أربع لا رجوع فيهن إلا بالوفاء - : النكاح ، والطلاق ، والعتاق ، والنذر ونعم ، كل هذه إذا وقعت كما أمر الله تعالى في دين الإسلام فالوفاء بها فرض ، وأما إذا وقعت كما أمر إبليس ، فلا ولا كرامة للآمر والمطيع - ثم ليس في شيء منها ذكر للإكراه على العتق وجوازه ، فوضح بطلان قولهم بلا شك .

                                                                                                                                                                                          وأما قولنا : له بيعه ما لم يأت الأجل ، فلأنه عبد ما لم يستحق الحرية { وأحل الله البيع } والتفريق بين الآجال المذكورة باطل ; لأنه قد يجيء ذلك الأجل والعبد ميت ، أو السيد ميت .

                                                                                                                                                                                          وأما قولنا : إنه إن أخرجه عن ملكه ثم عاد إلى ملكه لم يلزمه العتق بمجيء ذلك الأجل ; فلأنه قد بطل العقد بخروجه عن ملكه ، قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } وكل شيء بطل بحق فلا يجوز أن يعود ، إلا أن يأتي نص بعودته ولا نص في عودة هذا العقد بعد بطلانه .

                                                                                                                                                                                          وأما قولنا : لا رجوع له في شيء من ذلك بالقول ، إلا بإخراجه من ملكه فقط ; فلأنها كلها عقود صحاح أمر الله تعالى بالوفاء بها ، وما كان هكذا فلا يحل لأحد إبطاله ، [ ص: 198 ] إذ لم يأت نص بكيفية إبطاله في ذلك أصلا ، فليس له نقض عقد صحيح أصلا ، إلا حيث جاء نص بذلك - وبالله تعالى التوفيق

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية