الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( إلا قارورة سدت )

                                                                                                                            ش : يعني أن من حمل قارورة مسدودة الفم في حال إحرامه فلا فدية عليه يريد وقد أساء في حمله لها كما سيأتي في كلام صاحب الطراز وظاهر كلام المصنف أنه لا فدية في ذلك ، ولو علقت به رائحة الطيب ، والذي يقتضيه كلام اللخمي وغيره أن في ذلك الفدية قال اللخمي : فيمن فرش على ثوب مصبوغ بالزعفران ثوبا كثيفا لا فدية عليه إلا أن يعلق بجسمه ريحه ، فإنه يفتدي ، وقد تقدم كلامه عند قول المصنف ، ومصبوغ لمقتدى به ، وقد تقدم عن صاحب الطراز أيضا أن المحرم إذا لبس ثوبا علق فيه ريح الطيب أن عليه الفدية ، وقال ابن عرفة ، وقول ابن شاس لا فدية في حمل قارورة مصممة الرأس إن أراد ، ولو علقت رائحته ، ففيه نظر انتهى ، وكأنه لم يقف على نص في ذلك ، ثم قال ابن عرفة ، وتفسير ابن عبد السلام عطف ابن الحاجب على القارورة ونحوها بفأرة المسك غير ممشوقة بعيد ; لأنه تطيب انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) : لم يجزم ابن عبد السلام بذلك وإنما قال في شرح ابن الحاجب : ولا فدية في حمل قارورة مصممة الرأس ونحوها يريد لا كبير رائحة يوجد من القارورة حينئذ ، أو لا يوجد ألبتة ، ولعل مراده بنحو القارورة المصممة فأرة المسك إذا كانت غير ممشوقة ، وفيها عندهم وجهان انتهى .

                                                                                                                            ونقله عنه في التوضيح بلفظ وفيها للشافعية وجهان ، ولعل ذلك في نسخته من ابن عبد السلام والأحسن أن يكون مراد ابن الحاجب بنحوها ما قاله صاحب الطراز ، ونصه ، وأما إذا حمل بزينة فيها طيب ، أو خريطة أو خرجا ، أو ما أشبه ذلك وشمه ، فهذا أساء ، ولا فدية عليه ; لأنه لم يعلق بيده منه شيء ببشرته ، ولا بثيابه بخلاف من باشره فإن رائحته تعلق بيده ، فافترقا اللهم إلا أن يحمل زجاجة فيها طيب ، أو أخرجه على وجه التطيب برائحته ، واختلف أصحاب الشافعي في ذلك فقال بعضهم : عليه الفدية وقال بعضهم : هذه رائحة مجاورة ، ولا فدية فيها انتهى . ففي كلامه إشارة إلى ما قاله ابن عرفة فتأمله ، وأما على ما قاله ابن عبد السلام في النوافج فبعيد جدا ، وقد قال ابن فرحون بعد نقله كلام ابن عبد السلام : هذا بعيد ; لأنها تحصل منها من الرائحة قبل شقها ما يعبق ريحه بالثياب انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) : وفي كلام صاحب الطراز ما يدل على أن النوافج طيب ، وتجب الفدية بحملها ، فإنه لما ذكر الاحتجاج على وجوب الفدية بمس الطيب اليابس ، أو حمله بالثوب قال : وقد تعلق النوافج في الثياب ، ويحملها الناس لقصد التطيب بها ، ولم يفرق بين كونها مشقوقة أم لا .

                                                                                                                            ص ( ومطبوخا )

                                                                                                                            ش : وإن طبخ ، ولم يصبغ الطيب الفم فلا شيء فيه وإن صبغه فنص ابن بشير على أن المذهب نفي الفدية ; لأنه أطلق في المدونة والموطإ وغيرهما الجواز انتهى . ونحوه في التوضيح قال البساطي فإن كان الطيب في طعام ، فإما أن يطبخ معه ، أو يجعل فيه بعد طبخه ، وفي الأول إما أن يميته الطبخ أو لا ، فإن أماته الطبخ ، فلا شيء عليه وإلا ، فالفدية فيه ، فإن مسه ، فلم يعلق به منه شيء ، فظاهر قوله في المدونة ، وإن مس الطيب افتدى لصق به ، أو لا ، فإن عليه الفدية ، وإن لم يعلق به شيء ، ثم قال في قوله : ومطبوخا قد تقدم الكلام على المطبوخ مع الطعام وإطلاقه هنا ينافي ذلك التفصيل انتهى .

                                                                                                                            ص ( وباقيا مما قبل إحرامه )

                                                                                                                            ش : يريد ، ويكره له ذلك قال في الطراز منع مالك رحمه الله الطيب المؤنث عند الإحرام واختلف فيه إذا فعله فالمشهور [ ص: 161 ] أنه لا شيء عليه ، وقال بعض القرويين : إن تطيب بما يبقى ريحه بعد إحرامه ، فهو بمنزلة ما لو تطيب به بعد إحرامه ، وظاهر هذا الفدية .

                                                                                                                            وهو خلاف قول الكافة ، وإنما اختلف الناس في استحبابه ، ثم ذكر عن أبي حنيفة والشافعي وابن حنبل وغيرهم استحباب ذلك ، وذكر استدلالهم على ذلك ، ثم ذكر ما احتج به لمالك ، ثم قال بعد أن ذكر الاحتجاج على النهي عن التطيب قبل الإحرام : إذا ثبت ذلك فزعم ابن القصار أن ذلك عند مالك على الكراهة لا على التحريم ، وهذا يقتضي أن لا فدية فيه إذا وقع ونزل ، وهو المعروف من قول أصحابنا ، ثم قال : إذا قلنا لا فدية فيه مع كراهته ، فإنه يؤمر بغسله ، فإن قدر على غسله بمجرد صب الماء ، فجلس وإن لم يقدر إلا بمباشرته فعل ، ولا شيء عليه ; لأنه فعل ما أمر به وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المتضمخ بالخلوق أن يغسله عنه ، ولم يذكر له فدية ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطيب في بدنه ، أو ثوبه إلا أنه إذا نزع ثوبه لا يعود إلى لبسه ، فإن عاد فهل عليه في العود فدية يحتمل أن يقول لا فدية ; لأن ما فيه قد ثبت له حكم العفو كما لو لم ينزعه وقال أصحاب الشافعي : تجب عليه الفدية ; لأنه لبس جديد وقع بثوب مطيب انتهى .

                                                                                                                            وفهم منه أنه لا يجوز له لبس الثوب المطيب في حالة الإحرام وإن كان الطيب من قبل الإحرام ، وهو كذلك ، فإنه قال في باب ما يلبسه المحرم من كتاب الحج الأول ، أما ثوب المحرم إذا علق به ريح طيب ، أو بخر بعود ، أو ند ، وشبهه فلا يلبسه ، فإن فعل قال في الموازية : لا يحرم في ثوب فيه ريح مسك ، أو طيب ، فإن فعل فلا فدية عليه قال أشهب في المجموعة : إلا أن يكون كثيرا ، أو يكون كالتطيب ، وينبغي أن يخرج الفدية إذا فعله عند الإحرام على ما ذكرناه من الاختلاف فيمن تطيب حينئذ أما ما بعد الإحرام ، فيفتدي انتهى . وتقدم كلامه هذا برمته عند قول المصنف ومصبوغ لغير مقتدى به .

                                                                                                                            ( تنبيه ) : أطلق المصنف في الطيب الباقي مما قبل الإحرام ، وقيده الباجي بأن لا يكون بحيث تبقى منه ما تجب الفدية بإتلافه ، ونقله عنه صاحب الطراز ، ونصه إثر قوله السابق : وهذا يقتضي أن لا فدية فيه إذا وقع ، وهو المعروف من قول أصحابنا قال الباجي : الأظهر أنه لا تلزمه فدية ; لأن الفدية إنما تجب بإتلاف الطيب حالة الإحرام ، وهذا أتلفه قبل الإحرام إلا أن يكون من الكثرة بحيث يبقى منه ما تجب فيه الفدية بإتلافه ، أو لمسه فتجب بذلك الفدية ، وهو أبين انتهى .

                                                                                                                            ، ونقله عنه الباجي أيضا وابن عبد السلام وابن عرفة والشارح وقبلوه ولم يذكره المصنف في التوضيح

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية