الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1706 - مسألة : ولا يحل لأحد أن يسمي غلامه : أفلح ، ولا يسار ، ولا نافع ، ولا نجيح ، ولا رباح - وله أن يسمي أولاده بهذه الأسماء .

                                                                                                                                                                                          وله أن يسمي مماليكه بسائر الأسماء ، مثل : نجاح ، ومنجح ، ونفيع ، وربيح ، ويسير ، وفليح ، وغير ذلك ، لا تحاش شيئا . روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى : أنه سمع المعتمر بن سليمان يحدث أنه سمع الركين بن الربيع بن عميلة يحدث عن أبيه عن سمرة بن جندب قال : { نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نسمي رقيقنا بأربعة أسماء : أفلح ، ورباح ، ويسار ، ونافع } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 261 ] ومن طريق مسلم نا أحمد بن عبد الله بن يونس نا زهير بن معاوية ، نا منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن الربيع بن عميلة عن سمرة بن جندب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تسمين غلامك يسارا ، ولا رباحا ، ولا نجيحا ، ولا أفلح ، فإنك تقول : أثم هو ؟ فيقول : لا إنما هن أربع ، فلا تزيدن علي } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : ورويناه من طرق قال أبو محمد فخالف قوم هذا ودفعوه بأن قالوا : قد صح يقينا من طريق جابر أنه قال { : أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن ينهى أن يسمى ب يعلى وبركة ، وأفلح ونافع ، ويسار ، وبنحو ذلك - ثم رأيته سكت بعد عنها ، ثم قبض صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينه عن ذلك } ، ثم أراد عمر بن الخطاب أن ينهى عن ذلك ، ثم تركه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ليس من لم يعلم حجة على من علم ، جابر يقول ما عنده ; لأنه لم يسمع النهي ، وسمرة يقول ما عنده ، لأنه سمع النهي ، والمثبت أولى من النافي ; لأن عنده علما زائدا لم يكن عند جابر ، ولا يمكن الأخذ بحديث جابر إلا بتكذيب سمرة ، ومعاذ الله من هذا ، فكيف وكثير من الأسماء التي ذكرها جابر لم ينه عنها أصلا ؟ فصح أن حديث سمرة ليس مخالفا لأكثر ما في حديث جابر ; لأن جابرا ذكر : أنه عليه الصلاة والسلام لم ينه عن تلك الأسماء التي ذكر ، وصدق - وذكر سمرة : أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بعضها ، وصدق .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : قد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان له غلام أسود اسمه : رباح ، يأذن عليه - وقد غاب عن عمر أمر جزية المجوس - وهو أشهر من النهي عن هذه الأسماء ، فما المانع من أن يغيب عن جابر ، وطائفة معه : النهي عن هذه الأسماء ، وقد غاب عن ابن عمر النهي عن كري الأرض - ثم بلغه في آخر عمره فرجع إليه - وهو أشهر من هذه الأسماء

                                                                                                                                                                                          وأما تسمية غلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رباحا : فإنما انفرد به عكرمة بن عمار [ ص: 262 ] وهو ضعيف - فلا حجة فيه ولو صح لكان موافقا لمعهود الأصل ، وكان النهي شرعا زائدا لا يحل الخروج عنه ؟ وقالوا : قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " فإنك تقول : أثم هو ؟ فيقول : لا " بيان بالعلة في ذلك ، وهي علة موجودة في : خيرة وخير ، وسعد وسعيد ، ومحمود ، وأسماء كثيرة : فيجب المنع منها عندكم أيضا ؟ قلنا : هذا أصل أصحاب القياس ، لا أصلنا ، وإنما نجعل نحن ما جعله الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام سببا للحكم في المكان الذي ورد فيه النص فقط ، لا نتعداه إلى ما لم ينص عليه

                                                                                                                                                                                          برهاننا على صحة ذلك أنه عليه الصلاة والسلام لو أراد أن يجعل ذلك علة في سائر الأسماء لما عجز عن ذلك بأخصر من هذا اللفظ الذي أتى به : فهذا حكم البيان ، والذي ينسبونه إليه عليه الصلاة والسلام من أنه أراد أشياء كثيرة فتكلف ذكر بعضها ، وعلق الحكم عليه ، وأخبر بالسبب في ذلك ، وسكت عن غير ذلك : هو حكم التلييس ، وعدم التبليغ ، ومعاذ الله من هذا .

                                                                                                                                                                                          ولا دليل لكم على صحة دعواكم إلا الدعوى فقط ، والظن الكاذب .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : قد سمى ابن عمر غلامه : نافعا ، وسمى أبو أيوب غلامه : أفلح بحضرة الصحابة ؟ قلنا : قد غاب بإقراركم عن أبي أيوب وجوب الغسل من الإيلاج ، وغاب عن ابن عمر حكم كري الأرض ، وغير ذلك ، فأيما أشنع ؟ مغيب مثل هذا ، أو مغيب النهي عن اسم من الأسماء : فبطل كل ما شغبوا به ، ولا حجة في أحد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

                                                                                                                                                                                          تم كتاب صحبة ملك اليمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليما كثيرا .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية