الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى العزى

            قال ابن سعد : ثم سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان ، وكانت بيتا بنخلة . قال ابن إسحاق وابن سعد : وكان سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، وكانت أعظم أصنام قريش وجميع كنانة . وذلك أن عمرو بن لحي كان قد أخبرهم أن الرب يشتي بالطائف عند اللات ويصيف عند العزى ، فعظموها وبنوا لها بيتا وكانوا يهدون إليها كما يهدون للكعبة . وروى البيهقي عن أبي الطفيل رضي الله تعالى عنه : وكانت بيتا على ثلاث سمرات ، انتهى .

            قال محمد بن عمر ، وابن سعد : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة خالد بن الوليد إلى العزى ليهدمها . فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه . قال ابن إسحاق : فلما سمع سادنها السلمي بسير خالد إليها علق عليها سيفه وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول :


            يا عز شدي شدة لا شوى لها على خالد ألقي القناع وشمري     يا عز إن لم تقتلي المرء خالدا
            فبوئي بإثم عاجل أو تنصري

            قال أبو الطفيل ، ومحمد بن عمر ، وابن سعد : فأتاها خالد فقطع السمرات وهدمها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : «هل رأيت شيئا ؟ » قال : لا . قال : «فإنك لم تهدمها ، فارجع إليها فاهدمها» . فرجع خالد وهو متغيظ .

            فلما رأت السدنة خالدا انبعثوا في الجبل وهم يقولون : يا عزى خبليه ، يا عزى عوريه ولا تموتي برغم ، فخرجت إليه [امرأة عجوز] سوداء عريانة ثائرة الرأس ، زاد أبو الطفيل : تحثو التراب على رأسها ووجهها . فضربها خالد وهو يقول :


            يا عز كفرانك لا سبحانك     إني رأيت الله قد أهانك

            فجزلها اثنتين ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : «نعم ، تلك العزى قد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا»
            . وقد اختلف العلماء في العزى على قولين ، أحدهما: أنها شجرة كانت لغطفان يعبدونها . قاله مجاهد . والثاني: صنم . قاله الضحاك تنبيه

            ذكر ابن إسحاق ومن تابعه هذه السرية بعد سرية خالد إلى بني جذيمة ، وذكرها محمد بن عمر ، وابن سعد ، والبلاذري ، وجرى عليه في المورد والعيون ، وجزم به في الإشارة قبلها . وارتضاه في الزهر وقال : إن في الأول نظر من حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد وجد على خالد في أمر بني جذيمة ولا يتجه إرساله بعد ذلك في بعث . والذي ذكره غير واحد ، منهم الواقدي وتلميذه محمد بن سعد أن سرية خالد إلى العزى كانت لخمس ليال من شهر رمضان ، وسرية خالد إلى بني جذيمة كانت في شوال سنة ثمان ، قلت : إن صح ما ذكره ابن إسحاق من كون سرية خالد لهدم العزى بعد سرية بني جذيمة فوجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي عليه وعذره في اجتهاده .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية