الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجب أن يقرأها مرتبا فإن قرأ في خلالها غيرها ناسيا ثم أتى بما بقي منها أجزأه وإن قرأ عامدا لزمه أن يستأنف القراءة كما لو تعمد في خلال الصلاة ما ليس منها لزمه أن يستأنفها ، وإن نوى قطعها ولم يقطع لم يلزمه استئنافها ; لأن القراءة باللسان ولم يقطع ذلك بخلاف ما لو نوى قطع الصلاة ; لأن النية بالقلب وقد قطع ذلك ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال الشافعي والأصحاب : تجب قراءة الفاتحة مرتبة متوالية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ هكذا " وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال { صلوا كما رأيتموني أصلي } فإن ترك الترتيب فقدم المؤخر وأخر المقدم - فإن تعمد ذلك - بطلت قراءته ، ولا تبطل صلاته ; لأن ما فعل أنه قرأ آية أو آيات في غير موضعها ، ويلزمه استئناف الفاتحة ، وإن فعل ذلك ساهيا لم يعتد بالمؤخر ويبني على المرتب من أول الفاتحة ، نص عليه في الأم ، واتفق الأصحاب عليه ، قال البغوي وغيره : إلا أن يطول الفصل فيجب استئناف القراءة هكذا قاله الأصحاب . قال الرافعي ينبغي أن يقال : إن كان يعتبر الترتيب مبطلا للمعنى تبطل صلاته كما إذا تعمده ، كما قالوا إذا تعمد تغيير التشهد تغييرا يبطل المعنى ، فإن صلاته تبطل وأما الموالاة فمعناها أن يصل الكلمات بعضها ببعض ، ولا يفصل إلا بقدر التنفس فإن أخل بالموالاة فله حالان :

                                      ( أحدهما ) أن يكون عامدا فينظر إن سكت في أثناء الفاتحة طويلا بحيث أشعر بقطعه القراءة أو إعراضه عنها مختارا أو لعائق بطلت قراءته ووجب استئناف الفاتحة ، هذا هو المذهب وحكى إمام الحرمين والغزالي عن العراقيين أنه لا تبطل قراءته ، وليس بشيء والموجود في كتب العراقيين وجوب الاستئناف ، وإن قصرت مدة السكوت لم يؤثر بلا خلاف ، وإن نوى قطع القراءة ولم يسكت لم تبطل قراءته بلا خلاف نص عليه في الأم ، واتفق الأصحاب عليه قال في الأم : ; لأنه حديث نفس وهو موضوع عنه ، وإن نوى قطعها وسكت طويلا بطلت [ ص: 314 ] بلا خلاف ، وإن سكت يسيرا بطلت أيضا على الصحيح المشهور وبه قطع الأكثرون ، ونص عليه في الأم ، وأشار إليه المصنف وفيه وجه أنها لا تبطل حكاه صاحب الحاوي وغيره ; لأن النية الفردة لا تؤثر ، وكذا السكوت اليسير ، وكذا إذا اجتمعا .

                                      وإن أتى في أثناء الفاتحة بتسبيح أو تهليل أو غيرهما من الأذكار أو قرأ آية من غيرها عمدا بطلت قراءته بلا خلاف ، سواء كثر ذلك أو قل ; لأنه مناف لقراءتها . هذا فيما لا يؤمر به المصلي ، فأما ما أمر به إليه كتأمين المأموم لتأمين إمامه ، وسجوده لتلاوته ، ففيه خلاف نذكره قريبا إن شاء الله تعالى .

                                      ( الحال الثاني ) أن يخل بالموالاة ناسيا فالصحيح الذي نص عليه الشافعي في الأم وقطع به الأصحاب أنه لا تبطل قراءته ، بل يبني عليها ; لأنه معذور ، سواء كان أخل بالموالاة بسكوت أم بقراءة غير الفاتحة في أثنائها نص عليه في الأم وقاله الأصحاب ، قال في الأم : ; لأنه مغفور له في النسيان ، وقد قرأ الفاتحة كلها ، وسواء قلنا يعذر بترك الفاتحة ناسيا أم لا ، ومال إمام الحرمين والغزالي إلى انقطاع الموالاة بالنسيان إذا قلنا : لا تسقط القراءة بالنسيان ، والمذهب الأول ، ولو أعيي في أثناء الفاتحة فسكت للإعياء ثم بنى على قراءته حين أمكنه صحت قراءته ، نص عليه في الأم ; لأنه معذور ، وأما قول المصنف ويجب أن يقرأها مرتبا فهو بفتح التاء ويجوز كسرها ، وقوله فإن قرأ في خلالها غيرها إلى آخره ليس مراده به تفسير الترتيب والتفريع عليه ، إذ ليس في هذا ترك ترتيب ، وإنما هو بيان للمسألة الثانية ، وهي أن الموالاة واجبة كالترتيب فبين أنه لو ترك الموالاة عمدا لا تجزيه القراءة ، واستغنى به عن قوله : وتجب الموالاة والله أعلم



                                      ( فرع ) قال إمام الحرمين إذا كرر الفاتحة أو آية منها كان شيخي يقول : لا بأس بذلك إن كان ذلك لتشككه في أن الكلمة قرأها جيدا كما ينبغي أم لا ; لأنه معذور ، وإن كرر كلمة منها بلا سبب كان شيخي يتردد في إلحاقه بما لو أدرج في أثناء الفاتحة ذكرا آخر . قال الإمام والذي أراه أنه لا تنقطع موالاته بتكرير كلمة منها كيف كان ، هذا كلام الإمام وقد جزم [ ص: 315 ] شيخه وهو والده الشيخ أبو محمد في كتابه التبصرة بأنه لا تنقطع قراءته سواء كررها للشك أو للتفكر . وقال البغوي إن كرر آية لم تنقطع القراءة ، وإن قرأ نصف الفاتحة ثم شك هل أتى بالبسملة فأتمها ثم ذكر أنه كان أتى بها يجب أن يعيد ما قرأ بعد الشك ، ولا يجب استئناف الفاتحة ; لأنه لم يدخل فيها غيرها . وقال ابن سريج يجب استئناف الفاتحة ، وقال المتولي إن كرر الآية التي هو فيها لم تبطل قراءته ، وإن أعاد بعض الآيات التي فرغ منها بأن وصل إلى { أنعمت عليهم } ثم قرأ { مالك يوم الدين } فإن استمر على القراءة من { مالك يوم الدين } أجزأته قراءته ، وإن اقتصر على { مالك يوم الدين } ثم عاد فقرأ { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } لم تصح قراءته وعليه استئنافها ; لأن هذا غير معهود في التلاوة وهذا إن كان عامدا فإن كان ساهيا أو جاهلا لم تنقطع قراءته كما لو تكلم في أثناء صلاته بما ليس منها ناسيا أو جاهلا لم تبطل صلاته ، وكذا لا تبطل قراءته هنا وأما صاحب البيان فقال : إن قرأ آية من الفاتحة مرتين فإن كانت أول آية أو آخرها لم يضر وإن كانت في أثنائها فالذي يقتضيه القياس أنه كما لو قرأ في خلالها غيرها فإنه لو تعمده بطلت قراءته ، وإن سها بنى ، وكأن صاحب البيان لم يقف على النقل الذي حكيته عن الأصحاب ، ولهذا قال : الذي يقتضيه القياس ، وهذه عادته فيما لم ير فيه نقلا والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية