الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون . قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية : وقال ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وأبو وائل ، وأبو صالح ، ومحمد بن كعب ، وزيد بن أسلم ، والزهري ، والسدي ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، وابن زيد ، في قوله تعالى : ومن جاء بالسيئة ، يعني الشرك .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الآية الكريمة تضمنت أمرين :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : أن من جاء ربه يوم القيامة بالسيئة كالشرك يكب وجهه في النار .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن السيئة إنما تجزى بمثلها من غير زيادة ، وهذان الأمران جاءا موضحين في غير هذا الموضع ; كقوله تعالى في الأول منهما : إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا [ 20 \ 74 ] ، وكقوله تعالى في الثاني منهما : ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها الآية [ 6 \ 160 ] ، وقوله تعالى : ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون [ 28 \ 84 ] ، وقوله تعالى : جزاء وفاقا [ 78 \ 26 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا علمت أن السيئات لا تضاعف ، فاعلم أن السيئة قد تعظم فيعظم جزاؤها بسبب حرمة المكان ; كقوله تعالى : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم [ 22 \ 25 ] ، أو حرمة الزمان ; كقوله تعالى في الأشهر الحرام : فلا تظلموا فيهن أنفسكم [ 9 \ 36 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد دلت آيات من كتاب الله أن العذاب يعظم بسبب عظم الإنسان المخالف ; كقوله تعالى في نبينا - صلى الله عليه وسلم - : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات [ 17 \ 47 ] ، وقوله تعالى : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين الآية [ 69 \ 44 - 46 ] ، [ ص: 148 ] وكقوله تعالى في أزواجه - صلى الله عليه وسلم - : يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين الآية [ 33 \ 30 ] ، وقد قدمنا طرفا من الكلام على هذا ، في الكلام على قوله تعالى : إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات [ 17 \ 75 ] ، مع تفسير الآية ، ومضاعفة السيئة المشار إليها في هاتين الآيتين ، إن كانت بسبب عظم الذنب ، حتى صار في عظمه كذنبين ، فلا إشكال ، وإن كانت مضاعفة جزاء السيئة كانت هاتان الآيتان مخصصتين للآيات المصرحة ، بأن السيئة لا تجزى إلا بمثلها ، والجميع محتمل ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية