الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1818 - مسألة : [ وتقبل ] الشهادة على الشهادة في كل شيء ، ويقبل في ذلك واحد على واحد .

                                                                                                                                                                                          واختلف الناس في هذا - : فقال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : تقبل الشهادة على شهادة الحاضر في المصر ، وإن كان صحيحا .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : لا تقبل على شهادة الحاضر إلا أن يكون مريضا ، ولم يحد عنه مقدار المسافة التي إذا كان الشاهد بعيدا على قدرها قبلت الشهادة على شهادته .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة ، والحسن بن حي ، وسفيان الثوري : لا تقبل شهادة على شهادة إلا إذا كان على مقدار تقصر إليه الصلاة .

                                                                                                                                                                                          قال علي : لم نجد لمن منع من قبول الشهادة على شهادة الحاضر - : حجة أصلا ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا قول أحد سلف ، ولا قياس ، ولا معقول ، لا سيما هذه الحدود الفاسدة .

                                                                                                                                                                                          وقد أمرنا الله تعالى ، بقبول شهادة العدول ، والشهادة على الشهادة شهادة عدول ، فقبولها واجب ، وكذلك لو بعدت جدا ولا فرق .

                                                                                                                                                                                          واختلفوا أيضا في كم تقبل على شهادة العدول ؟ فروينا عن علي من طريق ابن ضميرة - وهو مطرح - أنه لا يقبل على شهادة واحد [ ص: 541 ] إلا اثنان ، وعن ربيعة مثله - وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، إلا أنهما أجازا شهادة ذينك الاثنين أيضا على شهادة العدل الآخر .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : لا بد من أخرى على شهادة الآخر ، فلا يقبل على شهادة اثنين إلا أربعة ، ولا يقبل على شهادة أربعة في الزنى إلا ستة عشر عدلا .

                                                                                                                                                                                          وقالت طائفة - مثل قولنا - : روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي نا عبد الله بن المبارك عن حكيم بن رزيق قال قرأت في كتاب عمر بن عبد العزيز إلى أبي : أن أجز شهادة رجل على شهادة رجل آخر وذلك في كسر سن .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان ، ومعمر ، قال سفيان : عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي : إنه كان يجيز شهادة رجل على شهادة رجل - وقال معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن شريح : إنه كان يجيز شهادة رجل على شهادة رجل ، ويقول له : أشهدني ذوي عدل .

                                                                                                                                                                                          ورويناه عن الزهري ، والقضاة قبله ، ويزيد بن أبي حبيب - وهو قول الحسن البصري ، وابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، وعثمان البتي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { بينتك أو يمينه } ولا فرق بين واحد وبين اثنين في تبيين الحق بذلك ، كلاهما يجوز عليه ما يجوز على الواحد ، فكلما قال قائل من العلماء : إنه بينة فهو بينة ، إلا أن يمنع من ذلك نص - وإنما هو خبر ، والخبر يؤخذ من الواحد الثقة .

                                                                                                                                                                                          واختلفوا أيضا فيما يقبل فيه شهادة شاهد على شهادة شاهد .

                                                                                                                                                                                          فروينا من طريق فيها الحارث بن نبهان - وهو هالك - عن الحسن بن عمارة - وهو تالف - عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب لم يسمع منه غير نعيه [ ص: 542 ] النعمان ، قال : لا تجوز شهادة على شهادة في حد ، ولا في دم ولا في طلاق ، ولا نكاح ، ولا عتق ، إلا في المال وحده .

                                                                                                                                                                                          وروينا ذلك عن إبراهيم النخعي .

                                                                                                                                                                                          وصح عن الشعبي ، وقتادة ، والنخعي : لا تجوز شهادة على شهادة في حد - وهو قول الأوزاعي .

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا عن شريح ، ومسروق ، والحسن ، وابن سيرين .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : تجوز في كل شيء إلا الحدود والقصاص .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك ، والليث ، والشافعي : يجوز في كل شيء الحدود وغيرها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : تخصيص حد أو غيره لا يجوز إلا بنص ، ولا نص في ذلك - هذا مما خالفوا فيه الرواية عن عمر لا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة ، وهذا مما خالف فيه مالك جمهور العلماء - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية